الفصل السابع
القدس في
الوجدان العربي والإسلامي والإنساني
المبحث الأول
: الحنين للقدس .
المبحث
الثاني :البعد القومي .
المبحث
الثالث:التنديد بجرائم الاحتلال و البعد الإنساني .
مقدمة :
بِسْمِ
اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
)سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
البَصِيرُ( (سورة الإسراء –آية 1 ) . وقال r : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ، والمسجد
الأقصى ومسجدي هذا ). أي مسجد المدينة المنورة .(صحيح
البخاري -1412- كتاب الصلاة باب 6).
لم يعرف العرب في تاريخيهم الحديث محنة أشدَّ
وأقسى من محنة القدس؛ لذا لا نرى حادثاً أثار الأدباء ودفعهم أن يتركوا جَنَّاتهم ورومانسيتهم
وينزلوا إلى ساحة الكفاح والتعبير الشاعري الملهب مثل اغتصاب القدس, وإن ما قيل في
القدس من شعر وما كتب من نثر يبلغ الكثير الكثير، وهو من ناحية المستوى الفني يتسم
في معظمه بالصدق والقوة .
أولا :الحنين إلى
القدس والتغني بها:
حين يعيش المرء بعيداً عن وطنه، أو حين يعيش الوطن
بعيداً عن أبنائه، تظهر على السطح علاقات , هي موجودة أصلاً، كما تظهر فقاقيع الهواء
الموجودة في الماء عندما يسخن بفعل حرارة قوية، إن البعد عن الوطن أو بعد الوطن عن
أبنائه هي الحرارة اللازمة لظهور الشوق والحنين بين الإنسان ووطنه، فكيف بنا إذا كان
الوطن مدينة كالقدس , بما تحمله من أبعاد وذكريات ترتبط بالوجدان الجماعي لهذه الأمة,
من هنا تظل صورة القدس ماثلةً أمام عيون العرب والمسلمين، يشدهم إليها الحنين، ويدفعهم
إلى التغني بها الشوق، كما يدفعهم إلى مقاومة
المحتل . لذا ظل الشعراء يتغنون بها كلما سنحت
الفرصة، يربطون بينها وبين المدن , والشخصيات ’والمواقع التي لها علاقة وثيقة الصلة بالقدس ’ كمكة
والمدينة، وبيروت ووهران، وحطين واليرموك، والكرامة، وعمر بن الخطاب، وصلاح الدين والمعتصم،
والسلطان عبد الحميد، وعزالدين القسام، وغيرها. وقد اهتم الشعراء بذكر بعض معالم مدينة
القدس , مثل مقدساتها، وأسوارها، وأبوابها، وأسمائها إلى غير ذلك، كما غَنَّوا للعروبة،
وهتفوا لها باعتبارها السبيل إلى تحرير القدس, ونظموا قصائد تتحدث عن الحب المتبادل
بينهم وبين القدس مدينة الزيتون في إطار من العشق الخالص، وصوروا المدينة بصور عدة
, منها ما هو وا قعي، ومنها ما هو أسطوري ، ومنها ما تجاوز هذا وذاك, فالحب بين الشعراء وبين معشوقتهم القدس زهرة المدائن
قوي جداً، لا تقوى مؤامرات الأعداء على قطع أوصاله ؛ لأنه حب حقيقي بين عاشقين، وإن
شئت فقل : إنه حب متين .. خالص بين أبناء العروبة وبنت من بناتها , وقد بدا لنا أن
الحنين إليها والتعلق بها قد سرى في جسد كثير من القصائد , سواء أكان الشعراء يعيشون
داخل الأرض المحتلة أم خارجها , وربما كان ذلك الشوق والحنين محاولة لإثبات ملكية وعروبة
هذه المدينة في غمار الزمن وحملات التهويد التي يقوم بها الكيان الصهيوني.
وحب القدس
والحنين إليها قديم, فقد بكى نفر من الشعراء سقوط "بيت المقدس" في أيدي الفرنج,
فراحوا يتأسفون على ضياعها, ويحثون المسلمين على استرجاعها ,ومن هؤلاء الشعراء: أبو
المظفر محمد بن العباس الأبيوردي,المتوفي سنة 557هـ , الذي قال قصيدة مطلعها :
مزجنا دماءً بالدموعِ
السَّواجمِ فلـم يبقَ مِنَّا عرضة ٌ للمراجمِ
وأنهى قصيدته باستثارة
همم المسلمين:
فليتَهُم إذا لـم َيذُودُوا
حَمِيَّةً عن الدينِ َضنُّوا غَيْرَةً
بالْمَحَارِم ِ
فإنْ أنتُمُ لـم تَغْضَبُوا بعدَ هذهِ رَميْنا إِلـى أَعدَائِـنا بالحَرَائِمِ
(الروضتين:ج 206:2)
كما هزت انتصارات نور الدين محمود (ابن عماد الدين
زنكي) وجدان الشعراء.
فقال ابن القيسراني قصيدة مطلعها :
هَذِي
العزائمُ لامَا تَدَّعِي القُضُبُ وَذِي الْمَكَارِمُ لامَا قَـالَت الْكُتُبُ
وَهَذِهِ الْهِمَمُ
الَّتِي مَتَى خَطَبَتْ تَعَثَّرَتْ خَلْفَهَا الأَشْعَارُ وَالْخُطَبُ
وختم الشاعر قصيدته بدعوة نور الدين محمود إلى استرجاع
بيت المقدس, وتطهير المسجد الأقصى من نجاسات المشركين فقال:
فَانْهَضْ إِلى الْمَسْجِدِ
الأَقْصَى بِذِي لَجِبِ يُولِيكَ
أَقْصَى الْمُنَى فَالْقُدْسُ مُرتَقِبُ
وائْذَنْ لِمَوْجِـكَ
فِـي تَطْهِيرِ سَـاحِلِهِ فَـإِنِّمَا أَنْـتَ بَحْـرٌ لُجُّـهُ لَجِـبُ
(الروضتين : ج2 :60
)
وفي سنة 583 هـ زحف صلاح الدين بجيشه نحو حصن الكرك
وطبرية، حيث دارت معركة حطين، فأنزل بالفرنجة هزيمةً ساحقةً، أُسرعلى أثرها ملك القدس
( الوزينان )’ والمغامر (ريجنالد), حاكم الكرك ، ومعظم قواد الجيش، ودخل صلاح الدين
القدس في رجب سنة 583 هـ
. وسجل العماد الأصفهاني أحداث معركة حطين، وفتح القدس
في قصيدة طويلة جاء فيها :
رأَيتُ صلاحَ الدينِ أَفضلَ مَنْ غَدَا وأَشرفَ مَنْ أَضحى وأَكْرَمَ مَنْ أَمْسَى
وقِيلَ لنا في الأرضِ سبعةُ أَبْحُرٍ ولسنا نَرَى إِلَّا أَنامِلَهُ
الخَمْسَا
إلى أن قال :
ومِنْ قبلِ فتحِ القدسِ كنتَ مُقَدَّسَاً فلا
عَدِمَتْ أَخلاقُكَ الطُّهْرَ و القُدْسَا
نزعتَ لباسَ الكفرِ عن قدسِ أَرْضِهَا وأَلْبَسْتَها
الدينَ الذي كشفَ
اللبْسَا
(مجم
الأدباء : ج7 : 88)
وقال عمارة اليمني المتوفى 570 هـ, وكان
فاطمي الهوى , يمدح صلاح الدين لمهاجمته الفرنجة:
وهيَّجْتَ للبيتِ المقدسِ لوعةً يطولُ بها منها إليكَ التَّشَوُّقُ
تنشقَ مِنْ مَلْقاَكَ أَعظمَ نفحةٍ تطيبُ على قلبِ الهُدَى حينَ تَنْشُقُ
وغزوكَ هذا سُلّمٌ نحوَ فَتْحِهِ قريباً و إِلا رائد ٌ و مطرّقُ
(الروضتين
:ج1 :224 )
وقال أبو الفضل الجلباني (ت 603هـ ) :
اللهُ أكبرُ أرضُ القدسِ قد صَفُرَتْ مِنْ آلِ أَصفرَ إِذْ حَيْنٌ بهِ
حَانُوا
إلى أن يقول
:
حتى بنيتَ رِتَاجَ القدسِ مُنْفَرِجَاً ويصعدُ
الصخرةَ الصماءَ عثمانُ
واستقبلَ الناصرُ المحرابَ مِنْ بعدِ قَدْ تَمَّ مِنْ
وعدِهِ
فَتْحٌ وإِمكانُ
(السلوك:442:1931
)
وقال الجواني نقيب الأشراف
بالديار المصرية في " حطين " واسترجاع " بيت المقدس ":
أَتُرَى مناماً مَا بِعَيْنِي أُبْصِرُ القدسُ
تُفْتَحُ
والفرنجةُ تُكْسَرُ
ومَلِيكُهُمْ في القيدِ مَصْفُودٌ ولم يُرَ قبلَ ذاكَ لهم ملوكٌ
تُؤْسَرُ
قد جاءَ نصرُ اللهِ والفتحُ الذي وُعِدَ الرسولُ فَسَبِّحُوا
واستَغْفِرُوا
فُتِحَ الشآمُ وطُهِّرَ القدسُ الذي هو
في القيامةِ للأنامِ المحشرُ
ملكٌ غدا الإسلامُ مِنْ عُجبٍ بِهِ يختالُ والدنيا
بِـهِ تتبخترُ
(
معجم الأدباء : ج7 : 88)
أما في العصر الحديث, وبعد احتلال القدس من قبل الصهاينة
بعد النكبة, فقد تغنى معظم الشعراء العرب بالقدس, وفي مقدمتهم شعراء الشام, حيث
كانت القدس من أكثر وأهم مدن فلسطين جذبا لكبار الشعراء من الأقطار العربية ,فقد
أنشد شاعر القطرين خليل مطران قصيدة في حفل تكريمه بالنادي العربي بالقدس جاء فيها
:
سلامٌ على القدسِ
الشريفِ وَمَنْ بِهِ على جامعِ
الأضدادِ إِرْثِ حُبِّهِ
حججتُ إِليهِ والهوى يشغلُ الذي يحجُ إِليه
عن مَشَقَّاتِ دربهِ
هوَ البيتُ الذي يُؤْتَى
سُؤْْلَهُ مَنْ يَؤُمُّهُ فأَعْظِمْ بِهِ بَيْتَاً
وأَكْرِمْ بشعبِهِ
(مطران : 1949 : 97 )
وهذا شاعر الثورة
العربية الكبرى فؤاد الخطيب, يربت على قلب القدس الجريح ويعدها بالنصر فيقول :
لبيكَ غيرَ مروعٍ بجحودِ يا
ثالثَ الحرمين في التمجيدِ
إِيهِ فلسطينُ
المُؤَرَّقُ جَفْنُهَا
لكِ ما أردتِ هوىً وصدقُ
عهودِ
كم محنةٍ
دَلَفَتْ إِليكِ تَسَلُّلاً فوجدتِ يومَ
النصرِ غيرَ بعيدِ
والمسجدُ الأقصى
المباركُ حولَهُ حصنُ العروبةِ فيكِ والتوحيدِ
في كل شبرٍ
مِنْ مُقَدَّسِ أَرضِها أَثَرٌ يَتِيهُ
بروعةٍ وخلودِ
(الخطيب :1959 :405 )
وفي قصيدة بعنوان (خارج
من الأسطورة) (درويش : 1987 : 175) يَشْتَمُّ محمود درويش
الشاعر الفلسطيني رائحة الأهل والأحبة، بعد أن حلم بهم من خلال تغنيه بمحبوبته القدس،
التي يقرأ في عينيها ميلاد النهار، فهي لم تَشِخْ ولم تخن، ولم تمت، فهي صامدة رغم
المحن وتخلي الأحبة الكبار عنها - وهم القادة العرب - وانشغال قومها عنها بالشعارات
والأغاني؛لذا يتحرق الشاعر شوقا للقدس كلما
تذكر أيام الطفولة الخوالي التي كنّى عنها بالأقمار لجمالها, مقدما الجواب على الشرط،
ومستخدما الفعل يشرب للدلالة على قوة الألم الذي يعانيه الشاعر, فكل ما هو جميل في
حياة الشاعر يقبع خلف أسوار المدينة العتيقة، المواويل, اللحظات الجميلة، والنحل (
مصدر العسل )والحياة الحلوة ، والمناسبات السارة والجميلة ، والخميلة المكان والطبيعة الجميلة التي لا تكتمل الصورة إلاَّ
بها ،حيث يقول:
هَا أَنا أَشتمُ أَحبابي وأَهلي
فيكِ ، يا ذاتَ العيونِ السودِ ... يا ثوبي
المُقَصَّبْ
لم تَزَلْ كَفَّاكِ تَلَّيْنِ مِن الخضرةِ
، والقمحِ المُذَهَّبْ
وعلى عينيكِ ما زالَ بساطُ الصحوِ
بالوشمِ الحريري ... مُكَوْكَبْ !
إِنني أَقرأُ في عينيكِ ميلادَ النهارْ
إنني أَقرأُ أَسرارَ العواصفِ
لم تَشِيخي .. لم تخوني .. لن تموتي
إِنَّمَا غيرتِ أَلوانَ المعاطفِ
عندما انهارَ الأَحباءُ الكبارْ
وامتشقْنَا ، لملاقاةِ البنادقْ
باقةً من أُغْنِيَاتٍ وزَنَابِقْ !
آهِ .. يا ذاتَ العيونِ السودِ ، والوجهِ المُعَفَّرْ
يشربُ الشارعُ والملحُ دَمِي
كُلَّمَا مَرَّتْ على بالي أَقمارُ الطُفُولَهْ
خَلْفَ أَسواركِ يا سجنَ المواويلِ الطويلهْ
خلفَ أسواركِ ، ربيتُ عصافيري
وما يكاد علي عبد السلام الفزَّاني الشاعر
الليبي يلملم خيوط هذا القلق من جراء غربته مع نفسه، حتى تلح عليه مأساة القدس, بل
مأساة الإنسان العربي المعاصر بأبعادها المختلفة، بغيبوبته التي يعيش فيها، بأحلامه
التي يقتات منها، بزيفه بسرابه، ثم بأمله ... ولتكن شهرزاد لياليها, وأحلامها رمزه
إلى الاسترخاء والخمود والهروب من هذا الواقع إلى عالم الحلم من خلال قصيدته (شهرزادي
الخائنة) (الفزاني : 1983
: 138) التي استهلها بمقطع
من قصيدة الجندول لعلي محمود طه فقال:
" أَينَ مِن عَيْنَيَّ هاتيكَ المَجَالي
"
وهيَ مَلأَى بِفُلُولِي وجنودي ورجالي ؟
أَينَ
قُدسي ؟ وضِفَافي؟.. يا ليالي
ذهبَ التاريخُ مِنِّي ببلادي وخيالي
شهرزادي ، فتحتْ بابَ المدينةْ
ثم باتتْ تتسلى بأَمانينا الحزينةْ
وأَنا والأُمُ والأَطفالُ تبكي
عبرَ أَصداءِ السكينةْ
ومازلنا نحلق فوق ربي
القدس، فهذا حسن القرشي الشاعر السعودي يسترسل في حلمه، حيث يستحضر تاريخ المدينة بالذكريات
العطرة من وحي النبوة، واصفاً رباها بضحكات السنا، وبالنور الذي يضيء الدنيا، مفتديها
بما تلد الأمهات، صوَّر ذلك في قصيدته ( ربى القدس) ( القرشي :1983 : 530 ) التي قال فيها:
رُبَى القدسِ
يا ضَحَكَاتِ السَّنَا ويا مِشْعَلاً فوقَ هامِ الدُنَى
يعزُ على غاصبيكِ
.. البقاءُ ولوحشدوا الجِنَ جيشاً لنا
سنرفعُ عنكِ قيودَ الظَّلامِ فحاشا ضياؤُكِ أَنْ يُسْجَنَا
رُبَى القدسِ يا مَهْيعِ
الذكرياتِ ومَجْلَى النُبُوَّاتِ : إِنَّا هُنَا
فِـــداؤُكِ ما تــلدُ الأُمَّهـا تُ حتى نحققُ فيكِ المُنَى
.ويتساءَل بدوي الجبل
الشاعر السوري : هل درت أمته العربية التي يرمز لها بعدن بما حل بمسجدها الأقصى ومسرى
البراق، والقدس والمهد؟ .. بعد أن غدا مهجوراً من أهله، لم يُرتَّل فيه القرآن،
ولم تُقَم الشعائر في أماكن العبادة، ويكرر التساؤل من خلال استحضار الشخصيات التاريخية
التي لها علاقة بمعارك المسلمين الخالدة من ناحية، وبالبسالة النادرة في قتال الأعداء
من ناحية أخرى مثل: جعفر الطيار الذي لو علم بحال المسجد الطهور الحزين لطار إليه،
ثم يندب الشاعر حال المسلمين وما لحق بهم من ذل, بعد أن غدا القدس نهباً! أرضه ومقدساته
انتهكت، وليس هناك من غيور. إنها لمحنة تشق الصدور فيها لا الجيوب, هذه المشاعر القوية
التي تقطر حسرة وألماً وغيرةً على محارم الله في القدس، وما لحق بها من هوان، وردت
في قصيدة طويلة بعنوان ( من وحى الهزيمة )( الجبل :1995 :
195 ) قال فيها :
هلْ درتْ عَدْنُ أَنَّ
مسجدَها الأَقْصى مكـانٌ مِـن أَهْـلِهِ مهـجورُ
أَينَ مَسْرَى البراقِِ
.. والقدسُ والمهدُ وبيتُ مَقْدِسٍ
معمورُ ؟
لم يُرتَّلْ قرآنُ أحمدَ فيهِ ويُزارْ المَبْكَى ويُتْلَى الزَّبُورُ
هل دَرَى جعفرٌ
فرفَّ جناحاهُ إِلى
المسجدِ الحزينِ يطيرُ !
ناجتِ المسجدَ الطهورَ
وحَنَّتْ سدرةُ المُنْتَهَى
وظِلٌّ
طَهُورُ
يا لِذلِّ الإسلامِ والقدسُ
نَهْبٌ هُتِكَتْ أَرْضُهُ
فأَينَ الغيورُ؟!
لا تُشَقُ الجيوبُ في محنةِ القدسِ ولكنها تُشَقُ
الصدورُ
وقد تكون قصيدته ( إني لأشمت بالجبار ) ( الجبل : 1995 :
83) أقرب إلى
الرثاء الحزين والندب المفجع على نكبة القدس والشموخ القومي، أليس سقوط القدس وإعوال
الأرامل وبكاء الثكالى والمسجد المحزون الذي جالته خيل الأعداء أليس كل ذلك وقفة باكية
على أطلال العروبة . ولعل إيقاع القصيدة يذكرنا بنونية ابن زيدون ,مما ساهم في إضفاء
جو أكبر من الحزن والسوداوية التي ترصد الموقف ، يقول بدوي الجبل.
يا سامرَ الحَيِّ هل تُغنيكَ شَكْوَانا رَقَّ
الحديد ُ وَمَا رَقُّوا لِبَلْوَانا
هل في الشآمِ وهل في القدسِ والدةٌ لا تشتكي الثكلَ إِعْوَالاً وإِرْنَانا
والخيلُ في المسجدِ المحزونِ جائلةً على المصلينَ أَشْيَاخَاً وفِتْيَانا
وفي حفل افتتاح دار الكتب في حلب، بعد العدوان الفرنسي,
يلقي عمر أبو ريشة الشاعر السوري قصيدة بعنوان: ( هذه أمتى)(أبو ريشة : 1971
:526 ), يسلط فيها الضوء على
القدس، ابتسامة عيسى، ومهبط الوحي، ومسرى الرسول الكريم، يطمئنها بأَلََّا تخاف من
الغرباء عليها، ومن أعوانهم، مستلهما ما قاله جد النبي عبد المطلب، عندما غزا أبرهة
الكعبة:"إن للبيت رباً يحميه " وقد شحن شاعرنا هذه المقولة بدلالات وأبعاد
جديدة, تحمل كثيراً من معاني السخرية اللاذعة بالعرب، والمسلمين، فكأني به يقول: إذا
كان العرب والمسلمون قد تركوا مقدساتهم للغرباء، فإن الله لن يتخلى عنها, يقول:
وسَلُوا
القدسَ هل غَفَا الشرقُ عنها
أَوْ طَوَى دُونَها شَبَا
مُرَّانهِْ
إِيهِ فلسطينُ يا ابتسامةَ عيسى لِجراحِ الأَذَى على جُثْمَانِهْ
يــا تَثَنِّي البُــــــرَاقِ في ليلةِ الإِسراءِ والوحي مُمْسِكٌ
بِعِنَانِهْ
لا تنامي خَطِيبَة
َ الحُلْمِ خوفاً مِنْ
غَرِيبِ الحِمَى ومِنْ أعْوَانِهْ
إِنَّ لِلْبَيْتِ
رَبَّهُ ... فدعيـــــهِ رُبَّ
حَـــــــــاوٍٍ رَدَاهُ في ثُعْبَانِهْ
وآخر ما نقف عنده
من قصائد هذا المبحث قصيدة لصالح الخرفي الشاعر الجزائري الذي قال في مقدمتها
" إن الجزائر وهي تعوم في بحر من الدماء , لا تنسى القدس وفلسطين ,شريكتها في
المحنة ,وهي تقول لها ما قاله شاعر عبس لابنة عمه" :
ولقد
ذكرتُكِ والرماحُ نواهِلٌ مِنِّي
وبِيضِ الهِنْدِ تَقْطُرُ مِنْ دَمِي
يقول:
يا فلسطينُ يا تُرَاثَ
الأَوَائِلْ حالَ مَغْنَاكِ
والهوى غَيْرُ حَائِلْ
لكِ في القلبِ راسخُ الحبِ مهما صَدَعَتْ صَخْرَكِ الشريفَ
قنابلْ
يا
فلسطينُ أَنتِ نكبةُ دَهْرٍ سوفَ يَبْكِيكِ
كُلُّ آتٍ وراحلْ
ثََكِلَ الشرقُ مَجْدَهُ إِنْ
تَوَانَى عنكِ يا مَفْخَرَةََ الأُبَاةِ البَوَاسِلْ
وثَكِلْتُ القََرِيضَ إِنْ لم أُرَدِّدْ نكبةَ القدسِ أَوْ أُذِيبُ
الجَنَادِلْ
(السوافيري:1963:547 )
ثانيا- البعد
القومي :
أحدثت قضية القدس انقلاباً سياسياً، وفكرياً، وأدبياً
في عالمنا العربي، فنما الوعي القومي عند المواطن العربي، وشارك الشعراء القدس محنتها
منذ بدايتها مدركين مكانتها الحضارية ووعيهم بأن نضالهم في سبيل تحريرها هو نضال من
أجل تحرير الوطن العربي كله. واستطاع الشعراء أن يشحذوا الهمم، ويضيئوا شعلة الأمل،
ويشعلوا شرارة المقاومة، ويشيدوا بالعمليات النضالية الجريئة ضد الصهاينة الغزاة كما مجَّدوا الأبطال، ورثوا الشهداء، وظلت قلوبهم
معلقة بالقدس تهفو إليها مستلهمين كل ما له علاقة وثيقة بها، كالشخصيات، والمعارك,وقد
كان إبراهيم طوقان شاعر فلسطين من أوائل الشعراء الذين دعوا إلى مواجهة القوى
الغاشمة من الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية بقوة الشعب الذي يرفض المهادنة
والخضوع . حيث يقول :
كَفْكِفْ دموعكَ ليسَ يَنْفَعُكَ البكاءُ ولا العَوِيلْ
وانْهَضْ ولاتَشْكُ الزمانَ فما شَكَا إِلا الكَسُولْ
واسْلُكْ بِهِمَتِكَ السبيلَ ولا تَقُلْ
كَيْفَ السَّبِيلْ (طوقان :1988 :228 )
وهذا أحد شعراء فلسطين, يؤكد على عروبة فلسطين
وبعدها القومي ,رافضا كل محاولات التهويد للقدس , فعروبة القدس قد خُطَّتْ بالدماء
العربية عبر تاريخها الطويل, وكل ما فيها من آثار ومقدسات وأسوار يشهد بذلك, يقول
هارون هاشم رشيد من قصيدة بعنوان عربية عربية (بركات:1989 :314
) :
عربيةً يا قدسُ
مهما دَبَّرُوا لكِ في الخَفَاءِ وهَيَّئُوا وتَنَكَّرُوا
عربيةً أَرْضَاً سَمَاءً مُحْتَدَىً عُمْرَاً وتاريخاً يُضِيئُ ويُزْهِرُ
عربيةً يا قدسُ
حتى لو بَغَى الباغِي , وأَفْحَشَ الْمُسْتَعْمِرُ
عربيةً يا قدسُ أَطْلَقَهَا
الأُلَى حَمَلُوا الأَمَانَةَ مُخْلِصِينَ وكَبَّرُوا
عربيةً يا قدسُ مَخْطُوطٌ
على وَجَنَاتِكِ الحَرْفُ الكَرِيمُ مُسَطَّرُ
عربيةً ( اللهُ وأَكْبَرُ ) تَعْتَلِي قِمَمَ الجِبَالِ الشَّامِخَاتِ
وتُنْذِرُ
تَبْقِينَ ما بَقِيَ الزَّمَانُ عزيزةً يا قدسُ مهما
حاولوا أَوْ دَبَّرُوا
وهذا الشاعر المصري
أحمد محرم والذي لقب بشاعرالأقصى, لن يقر له جفن والقدس محتلة يقول :
تِلْكَ العُرُوبَةُ جُرْحِهَا يَجْرِي دَمَاً مَنْ يَمْنَعُ
الإِسْلامَ أَنْ يَتَأَلْمَا
هذا تراثُ محمدٍ في قومِهِ أَمْسَى
بِأَيْدِي الناهبين
مُقَسَّمَا
أَثَرُ السُّيوفِ عليهِ ’ والدمُ حَوْلَهُ حَرَانَ يصرخُ أَيْنَ
أَبْطَالُ الحِمَى
أَيْنَ الأُلَى وَرِثُوا الممالكَ حُرَّةً تَقْضِي
القضاءَ على القياصرِ مُبْرَمَا
دارَ الزَّمَانُ فَعَاثَ فِي أَرْجَائِهَا مَنْ
كان يَنْزِلُهَا فيمشي مُحْرِمَا
إِيهِ فلسطينُ اصْبِرِي أَوْ فاجْزَعِي وكفى
بصبركِ في الحوادثِ مَغْنَمَا
بِكِ
يا فلسطينُ البلادُ
تعلمتْ أَدَبَ الجهادِ وكان
مَعْنَىً مُبْهَمَا
إِيهِ شُعُوبَ المسلمين
تَنَبَّهُوا وتَدَارَكُوا أَسْبَابَكُمْ أَنْ
تُجْذَمَا
اللهَ في
إِخوانِكُمْ وبِلادِكُمْ أَ فَمَا تَرَوْنَ الْخَطْبَ كيفَ تَجَهْمَا
حَفِظُواالتُّرَاثَ لكم وصانواعِرْضَكُمْ أَفَتَكْرَهُونَ لِعِرْضِكُمْ أْنْ يَسْلَمَا؟
لا تخذلوهُمْ والملائِكُ شُهَّـدٌ بالمسجدينِ كَفَى
بذلكَ مَأْثَمَا
إِنِّي وفَيْتُ لهم , ولستُ بمسلمٍ إِنْ خُنْتُ في دُنْيَايَ شَعْبَاً
مُسْلِمَا
أَتَبِيتُ أُولَى القبلتينِ حزينةً وأَبِيتُ وسْنَانَ العيونِ مُنَعَّمَا!
(محرم :2008 : 480 )
وما أظن أن أحداً
من الشعراء العرب لم تهزه أحداث القدس, حتى رأينا بعض الشعراء الرومنسيين كعلي محمود
طه الشاعر المصري يترك برجه العاجي ويترك جندوله وكرنكه ولياليه التائهة في
البحاروينبري منافحا عن القدس , داعيا إلى الجهاد والتضحية, بعد طغيان الكيان
الصهيوني , يقول :
أَخِي جاوزَ الظالمونَ المَدَى فحقَّ الجهادُ وحقَّ الفِدَا
أَنَتْرُكُهُمْ يغصبونَ العروبةَ مجدَ الأُبُوَةِ والسُّؤْدُدَا
أَخي إِنَّ في القدسِ أُخْتَاً لنا أَعَدَّ لها الذابحونَ الْمُدَى
فَجَرِّدْ حُسَامَكَ
مِنْ غِمْدِهِ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدُ
أَنْ يُغْمَدَا
فلسطينُ يَفْدِي حِمَاكِ الشبابُ وجَلَّ الفدائِيُ والْمُفْتَدَى
فلسطينُ تَحْمِيكِ مِنَّا الصُّدُورُ فإِمَّا الحياةُ وإِمَّا الرَّدَى
(سليمان :1982 : 63 )
ومن القصائد
التي تدعو إلى الجهاد ضمنياً عن طريق التلميح والرمز ما يأتي :
قصيدة ( يا عروس المجد) ( أبو ريشة : 1971
:447) لعمر أبو ريشة، وفيها نلمح صفحة مشرقة للجهاد، سطرها
شاعرنا بحروف من نور، فقد استحضر التاريخ المجيد للمدينة العتيقة بمحرابها، وذكرياتها
ومَنْ لهم علاقة بها, كعيسى, ومحمد عليهما السلام، إضافة إلى الخيول والسيوف، كل ذلك
تفوح منه رائحة الجهاد والمعارك المقدسة، يقول :
يا عروسَ المجدِ تِيهِي واسْحَبِي في مَغَانِينَا ذيولَ الشُّهُبِ
ما
بَلَغْنَا بَعْدُ
مِنْ
أَحْلامِنَا ذلكَ الحُلْمَ
الكريمَ الذَّهَبِي
أَينَ في القدسِ ضلوعٌ غَضَّةٌ ذلكَ الحلمُ الكريمُ الذَّهَبِي
وقفَ التاريخُ
في ِمِحْرَابِهَا وَقْفَةَ المُرْتَجِفِ
المُضْطَرِبِ
يا رَوَابِي القُدْسِ يا مَجْلَى السَّنَا
يا رُؤَى عيسى على جَفْنِ النَّبِي
دُونَ عليائِكِ في الرَّحْبِ المُدَى صَهْلَةُ الخَيْلِ وَوَهْجُ القُضُبِ
وأكثرالشاعر
الفلسطيني أحمد فرح عقيلان من ذكر الشهادة والشهداء، والسير على دربهم، درب الكفاح،
والجهاد في سبيل الله، مبيناً فضل ذلك وأثره، ومما عمَّقَ أثر تلك الدعوة في النفوس،
أنه كان ينقلها إلينا على لسان الشهيد, كما في قصيدته ( يقول لنا الشهيد )( عقيلان : - : 67 ) ، قال فيها :
يقولُ لنا الشهيدُ دعوا حُطَامِي فما في الدينِ مِصْرِيٌ وشَامِي
دَعُونِي واطلبوا ثَأْرِي فإِنِي لقتلِ
مَنْ استباحُوا الحقَ ظَامِي
أَليستْ رَوْضَةُ الشهداءِ حولي ونورُ
المسجدِ الأَقْصَى أَمامِي
دَعُونِي واثأَرُوا لي في كفاحٍ مريرٍ ثائِرِ الهَبَوَاتِ
طَامِي
أَنَوْمَاً والدِّيَارُ
تَبِيتُ تَبْكِي لِوَاءَ
الدِّينِ في القدسِ الحرامِ
ثِقُوا باللهِ وارجُوا حُسْنَيَيْهَا وسِيْرُوا
فالحياةُ إِلى الأَمامِ
فإمَّـا مَوْتَةُ البطلِ المُضَحِّي وإمَّـا عِيشَةُ الْحُـرِّ الهُمَـامِ
ومن
لبنان يشيد الشاعر القروي بشارة الخوري بجهاد شعب فلسطين، مؤكداً على ضرورة استعادة
القدس, بالسير على نهج الأُلَى حملوا راية الجهاد، وقد استطاع الشاعر تحريك المكان
والزمان حين ربط بين الماضي والحاضر، وبين القدس ويثرب، يقول من قصيدته وردة من دمنا
(الخوري:1953 :165
) :
سَائِلِ الْعَلْيَاءَ
عَنَّا والزَّمَانَا هل خَفَرْنَا
ذِمَّةًمُذْ عَرَفَانَا
ياجِهَادَاً صَفَّقَ
المَجْدُ لَهُ لَبِسَ الْغَارَ
عَلَيْهِ الأُرْجُوَانَا
يَثْرِبٌ والقدسُ مُنْذُ
احْتَلَمَا كَعْبَتَانَا ، وَهَوَى
الْعُرِبِ هَوَانَا
ويطلب الشاعر العراقي محمد جميل شلش من أُمَّتِهِ أَن
تضمَّدَ جراحها، وتبسمَ رغم الألم، وتتمسكَ بعرى التضامن وطريق الكفاح الذي فيه عزتها،
ولن يكون ذلك بغير التضحيات والسلاح الذي يعيد الفرحة إلى قدس العروبة بعد أن يعيدوا
لها يوم حطين.
وردت هذه الخواطر في قصيدة بعنوان ( إلى جماهير الأمة
العربية) ( شلش : 1978 : 467) قال فيها:
شُدِّي جِرَاحَكِ بِالنَّجِيعِ وَضَمِّدِي وَتَبَسَّمِي
، فَسَنَاكِ يَبْسِمُ في غَدِ
وَتَمَسَّكِي بِعُرَى النِّضَالِ عَزِيْزَةً عَرْبَاءَ
، تُحْيِي فيكِ طِيْبَ الْمَوْلِدِ
الحقُّ للدمِ والحديدِ ، فَزَمْجِرِي حِمَمَاً،على دربِ النِّضَالِ السَّرْمَدِي
وَلَقِيْلَ: يا قدسَ
العُرُوبَةِ زَغْرِدِي حِطِّيْنُ
مَوْعِدُنَا !! وأَشْرَفُ مَوْعِدِ
يا قدسُ عَفْوَكِ ، مَا يَفُورُ بِهِ دَمِي
شَرَفٌ لِيَوَمِكِ أَنْ يثورَ بِمِذْوَدِي
عشرونَ عاماً يا جماهيرَ الْحِمَى والعارُ
في حَرَمِ المسيحِ وأَحْمَدِ
والنارُ تَلْتَهِمُ العَرِينَ ، وعامِرٌ يَبْنِي
وعمَّارٌ يُخَرِّبُ في غَــدِ
وهذه رحاب القدس تثور، وينتفض الثرى، وينفجر البركان
من مكة المكرمة؛ لينادي أمة الإسلام؛ لتدك صرح البغي، معبِرَّا عن عمق الجراح الناجمة
عن احتلال الأقصى, الذي أسرى الله بنبيه إليه , لينهزم الظلام أمام نور النبوة، يقول
الشاعر السعودي زاهر الألمعي, من قصيدة بعنوان ( من ربى أم القرى) ( الألمعي: 1403 هـ
:87 ):
ضَجَّتْ رِحَابُ القدسِ وانتفضَ الثَّرَى وتَفَجَّرَ البركانُ
مِنْ أُمِّ القُرَى
ومَضَى
يُنَادِي أُمَّةً ... قَوَّامَةً لِتَدُكَ
صَرْحَ البَغْي ثَمَّةَ زَمْجَرَا
يا ثالثَ الحَرَمَيْنِ إِنَّ قلوبَنَا مَكْلُومَةٌ
حتى تَعُودَ
ونَثْأَرَا
أَسْرَى الإِلهُ
بِعَبْدِهِ مِنْ مكةٍ لِلْقُدْسِ
فَانْهَزَمَ الظَّلامُ وأَدْبَرَا
ومن الأردن الشقيق
يناشد الشاعر داود معلا أبناء الأمة العربية أن يلبوا نداء القدس وفلسطين ,
وإلا فليكونوا عبيداً أذلاء , يقول :
ما بَالُ هِنْدٍ خَلا
مِنْ حِلْيِِهَا الجِيدُ هلْ فَارَقَتْ
حَيَّهَا الصِّيْدُ الصَّنَادِيدُ
أُخْتَاهُ لا سَارَتْ
بِنَا قَدَمٌ ولا استقامَ على أَجْسَامِنَا
العُودُ
إِنْ لم نَقُدْهَا عليهم
نارَ معركةٍ يَشِيْبُ مِنْ هَوْلِهَا الوِلْدُ الأَمَالِيدُ
يا بْنَ الأَمَانَةِ
في الأُرْدُنِ كَمْ ضَحِكَتْ لَكَ
الليالي وكَمْ حَنَّتْ لكَ البِيْدُ
في ساحةِ الْمَسْجِدِ
الأَقْصَى على أَمَلٍ أَنْ
يَنْصُرَ الحقَ أَكْفَاءٌ مَعَامِيْدُ
يابنَ
الكِنَانَةِ في مِصْرَ الأَبِيَّةِ في
عَهْدِ الْكِفَاحِ أَلَمْ تَأَتِ
المَوَاعِيدُ
يابنَ الحِجَازِ أَمِنْتَ الشَّرَ في بلدِ البَيْتِ
الحَرَامِ بِهِ للهِ تَمْجِيْدُ
يابنَ الشَّآمِ إِلى سُودِ الْبَنَادِقِِ في
سُودِ الليالي تَسَامَى حَوْلَكَ الْجُودُ
يابنَ العِرَاقِ إِلَيْكَ
اليومَ سابقةٌ
في رايةٍ
يَتَفَانَى حَوْلَهَا الصِّيْدُ
يا أُمَّةٌ شَهِدَ التاريخُ مَوْكِبَهَا سادَتْ
قُرُونَاً وسادَ العدلُ والجودُ
رُدُّوا مَقَالِيدَ
أَمْجَادٍ لَنَا سَلَفَتْ أَلَمْ تَصِلْ بِكُمُ اليومَ
المَقَالِيدُ
هذي فلسطينُ تَدْعُوكُمْ
لِنصْرَتِهَا لا تُدْبِرُوا وإِلَى أَوْطَانِكُمْ عُودُوا
إِنْ لم تَفُوا وَعْدَكُمْ
في حِفْظ مَسْجِدِكُمْ كُونُواعبيداً وإِنْ لَمْ تَسْطَعُوا هُودُوا
(معلا : 1984 :58 )
وفي قصيدة تحمل اسم
(القدس) ( المجاطي : 1987 :55) بدأ أحمد المجاطي
الشاعر المغربي قصيدته بدايةً سلبية، إلا إنه ينبثق منها النقيض، وهو حنين الشاعر إلى
الموت, الذي يعتبر عنصراً إيجابياً تجاه خيبة الرجاء بكل العرب، من وهران إلى سيناء،
حيث لا يعود السقوط رؤيا, بل وسيلة للخروج من الهزيمة بمقاومتها، من خلال استخراج أفضل
ما في هذه الأمة، عندما تنقلب كل الرموز إلى أدوات لاستخراج نقائضها.
(
إن الصور والرموز التي تعبر بها النفس عن تجاربها، هي في حقيقة أمرها ثنائية، فليست
هناك صور ذات معنى واحد، وكثيراً ما تحمل الصورة معها عكسها، بل قد يكون النقيض الصوري
في هذه الحالة أفضل درب للوصول إلى نقيضه) (أحمد :1981: 39) من خناجر الثعابين التي
تحزُّ ضوء العيون، ولسعات العقارب، والحقد في العيون، والوجه الأحدب، والحيرة في النداء
والاستفهام، وتكرار المسند والمسند إليه ( أنت الموت) والألفاظ التي تعبر عن هول الموقف،
وقد وفق الشاعر في الربط بين وهران ومكة, وسيناء والقدس، وبين صمت العالم, وبذا حطم
الحواجز المكانية والزمانية ، مما بث في القصيدة الحياة والحيوية والحركة، إذ توحي
الرسالة التي مؤداها أنَّ كل شيء في عالم العروبة
قد سقط بسقوط القدس ، يقول :
تَحُزُّ خَنَاجِرُ الثعبانِ
ضَوْءَ عُيُونِكِ
الأَشْيَبْ
وتَشْمَخُ في شِقُوقِ التِيهِ
تَشْمَخُ لَسْعَةُ العقربْ
وأَكْبَرُ مِنْ سمائِي
مِنْ صَفَاءِ الحِقْدِ في عَيْنَيَّ
أَكْبَرُ
وجْهُكِ الأَحْدَبْ
أَيَا بَابَاً إِلى اللهِ
ارْتَمَى
مِنْ أَيْنَ آتِيكِ
وأَنْتِ الموتُ ، أَنْتِ الموتُ
أَنْتِ المُبْتَغَى
الأَصْعَبْ
مَدَدْتُ إِلَيْكِ فَجْرَاً مِنْ حَنِينِي
للرَدَى وَغَمَسْتُ مِحْرَاثِي
بِبَطْنِ الْحُوتْ
فأَيَّةُ
ُعَشْوَةٍ نَبَضَتْ بِقَلْبِي
في دَمِ الصَّحْرَاءِْ
وأَيُّ رجاءِْ
تَفَسَّخَ في نقاءِ الموتِ
أَشْعَلَ ظُلْمَةَ التَّابُوتِْ
فِي عَيْنَيَّ
فجئتُ إِليكِ مَدْفُونَاً
أَنُوءُ بضحكةِ القُرْصَانْ
وُبْؤسِ الفجرِ
في وَهْرَانْ.
وإذا كان الأدب
ينبع من الحياة، فإن حب القدس ينبع من مشاعر محمود درويش، الذي تجاوز الواقع إلى
الحُلْمِ المشتعلِ بحبِ القدس، التي جعلته يتجاوز جراحه باستشفاف رموز تعطي
القصيدة شكل صلاةٍ حيناً، وشكل هذيان حيناً آخر، نتيجة التركيب المعقد لهذه
القصيدة، حيث تتداخل صوره، وتتشابك معانيه، فهذا المسيح يخرج من الجرح والريح، وحُلْم
الصعود إلى القدس- بعد طرد الغزاة-، ومخاطبته وطن الأنبياء أن يتكامل، وتحديه الأعداء أن يمروا
إلى صخرة القدس، وتأكيده ذلك التحدي بأنهم لن يمرو حتى على جسده ,وبذا
يكتمل الحُلْمُ المشتعل بحب القدس عندما تتوحد القدس, وجسد الشاعر في إرادة صلبة
أقوى من الأَعداء، يقول في قصيدته (الأَرض)(درويش : 1987
:622):
وهذا خروجُ المسيحِ
مِنْ الجُرْحِ والريحْ
أَخضرَ مِثْلَ النَّبَاتِ
يُغَطِّي مساميرَهُ وقيودِي
وهذا نشيدِي
وهذا صُعُودُ الفَتَى
العربي إِلى الحُلْمِ والقدسِ
خمسُ بناتٍ يخبئنَ
حقلاً مِنْ القمحِ تحتَ الضفيرَةْ
ويَحْلُمَنَ بالقدسِ
بعدَ امتحانِ الربيعِ وطردِ الغُزَاةِْ
فاشتبكي يا نباتاتُ
، واشتركي في انتفاضةِ جِسْمِي ، وعَوْدَةِ
حُلْمِي إِلى جسدِي
فيَا وطنَ الأَنبياءِ
.... . تكاملْ !
ويَا وطنَ الزارعينَ
....تكاملْ
ويَا وطنَ الشهداءِ
..... تكاملْ
ويَا وطنَ الضائعينَ
.... تكاملْ
فكلُّ شِعَابِ
الجبالِ امتدادٌ لهذا النشيدْ
وكُلُّ الأَنَاشيدِ
فيكَ امتدادٌ لزيتونةٍ زَمَّلَتْنِي
أَيُّهَا الذاهبونَ
إِلى صخرةِ القدسِ
مُرُّوا على جسدِي
أَيُّهَا العابرونَ
على جسدِي
لن تَمُرُّوا
أَنَا الأَرضُ في
جسدٍ
لن تَمُرُّوا !
وما أود أن أنبه إليه أن هذا الشعر القومي؛ على ما
يبدو في ظاهره من التنديد حيناً، أو قرع طبول الحرب حيناً آخر، لا يحمل في ثناياه أيةَّ
بذور للقومية العدوانية أو العنصرية، حتى في فترات انجرافه، فهو لم يتعارض مع النزعة
الإنسانية، بل كان عوناً لها، ومرحلة طبيعية في سبيل تحقيقها، إن ما صدر من هذا الشعر
كان دفاعاً عن النفس والوجود والهوية العربية أمام الغزو الصهيوني، والاستعماري المعتدي،
إذ لا يمكن للشاعر أن ينسلخ عن قوميته أو يفرط في تراب وطنه، والقومية ليست جداراً
يحجبه عن الإنسانية، وإنما هي قمة سامية يشرف من فوقها على آفاق الإنسانية الرحيبة.
___________________________________________________________
ثالثا- التنديد بجرائم
الاحتلال والبعد الإنساني :
أ-التنديد بجرائم
الاحتلال :
ندد الشعراء بجرائم
الاحتلال في القدس التي لم يسلم منها البشر, والشجر, والحجر,ولا حتى المقدسات ,بل
لم يسلم رفات الأموات من هذه الجرائم, حيث جرفوا المقابر,كما نددوا باللجان والهيئات
والمنظمات الدولية التي لم تنصف القدس في صراعها مع المعتدي، وهاجموا بلفور صاحب الوعد
المشؤوم، والحلفاء الذين ساندوا الكيان الصهيوني ، كما هاجموا المتقاعسين من العرب.
وحول الحلول المطروحة
لقضية القدس، لم يختلف الشعراء في أن الوحدة العربية أقصر الطرق إلى القدس، وقد رفع
بعض الشعراء شعار السلام القائم على الحق والعدل والحقوق العربية، وعودة القدس عاصمةً
لفلسطين، في حين أجمع معظم الشعراء على أن الكفاح المسلح هو السبيل لتحريرالقدس , وها
هي سالومي تغني في ملاهي القدس، وعاهرات عاريات من الصهاينة يُدَنِّسْنَ الأَقصى، ويهوذا
ينادي في أرجاء القدس, ليعلي حائط المبكى من رؤوس المصلين العرب، صُوَرٌ مروعةٌ لقداسةٍ
حزينةٍ لواقعٍ مريرٍ, رسمها عبد العزيز المقالح الشاعر اليمني في قصيدته (الصوت والصدى) ( المقالح: 1977: 187) قال فيها :
تنشرُ لَحْمَهَا في المسجدِ الأَقْصَى
وتطلبُ كُلَّ رأَسٍ راكعٍ فيهِ
لترفعَ عالياً مِنْ حائطِ المَبْكَى
( يَهُوذَا ) في القصورِ .. على مُكَبِّرَاتِ
الصَّوْتِ
يُنَادِي يا لِهَوْلِ العارِْ.
ويرسم
محمد الفيتوري الشاعر السوداني لوحة تفيض بصور الحزن والجراح، القدس تسقط، وحوافر القتلة
تغوص في دماء العرب، والوحي والبراق يسقطان، ومكة تنتظر دورها، هذا الجو المليء بالأسى
والإثارة يجسده الشاعر في قصيدة بعنوان ( الأرض لم تسقط)( الفيتوري :1979
:99 ) ، قال فيها :
قَدْ
سَقَطَ القدسُ
وغاصتْ حافرُ القاتلِ في دِمَائِنَا المُحَرَّمَةْ
وسَقَطَ البراقُ والوحيُ
فهلْ عَرَفْتِ، أَوْ هلْ تَعْرِفِينَ ؟
متى ستسقطينَ
يا مكةُ المكرمةْ !
بَعْدَكِ لا
لا بُدَّ مِنْ الطُّوفَانِْ
يفقأُ عَيْنَيْ هذهِ المدينةِ المُحَاصَرَةْ
لعلها تُبْصِرُ كيفَ تُوْلَدُ الْمُؤَامَرَةْ
وتَكْبُرُ المؤامرةْ
وتفرخُ المؤامرةْ
حتَّى تسيلُ مطراً مِن أَسْقُفِ الْبُيُوتْ
لعلها تعرفُ كيفَ يُقْبِلُ البَرَابِرَةْ
في الريحِ والضبابِ
ويصبحُ القياصرةْ
آلهةَ الخرابِ
وكيفَ تضمحلُ شمسُ العصرِ أَوْ تموتْ ! مشنوقةً
مِنْ ساقِهَا
في خيطِ عنكبوتْ
ويختار
محمود الروسان الشاعر الأردني ألفاظه بعناية تكشف عمق المأساة، وتكثف الإحساس بالحزن
والألم، عندما تُسْتَبَاحُ القدسُ, بما تحمله من ذكريات عطرة في وضح النهار، فتغدو
القدس سبيةً بمقدساتها، تاريخها، وتراثها، كما يربط بين الماضي والحاضر, مما يبث في
المكان شيئاً من الحركة والحياة.
يقول من قصيدة بعنوان : ( نداء الشهداء)
(الروسان : 1965 :
117) :
واستباحتْ موطنَ المهدِ ضُحَى وتحدتْ طُهْرَ أَحْلامِ الوليدِْ
وسَبَتْنَا
مَوْطَنَاً عِشْنَا
لَهُ وتُرَاثَاً
صانَهُ عزمُ الجُدُودِْ
وَرَعَيْنَاهُ وفي أَحْضَانِهِ كَمْ
تَغَنَّيْنَا وجُدْنَا بالقَصِيدِْ
كَمْ تَهَادَى وانْتَشَى في فرحةٍ هَزَّتْ الدُّنْيَا فَمَادَتْ
بالنشيدِْ
ويرى عبد المجيد القمودي الشاعر الليبي صورة
مفجعة، لما خلفته نكبة القدس من ضحايا في عمر الزهور، وعذارى شُقَّتْ أثوابها كرهاً،
وصبايا أعدمت، وأطفال أحرقوا مع دمياتهم، بعد أن فُقِئَتْ عيونُ آبائهم، وبُقِرَتْ
بطونُ أمهاتهم، وشُوِّهَتْ الوجوهُ العربية .
وإن أجاد الشاعر في رسم صورة المأساة وتعميقها
فإنه لم يقدم حلاً, وإنما اقتصر على العويل والبكاء, ورسم صورة الجراح النازفة , يقول
من قصيدته (فلسطين بين المدفع والربابة ) (القمودي :1974
:120 ):
بينما كُنَّا كذلك ...
أَلْفُ طِفْلٍ عَرَبِيٍّ راحَ في القدسِ ضَحِيَّهْ
....
تحتَ سَوْطِ الهَمَجِيَّهْ ....
أَلْفُ عَذْرَاءَ عليْهَا شُقَّتْ الأَثْوَابُ كَرْهَاً
أَلْفُ سَمْرَاءَ صَبِيَّهْ ....
أُعْدِمَتْ ذاتَ عَشِيَّهْ
أَحْرَقُوا دُمْيَتَهَا في راحَتَيْهَا
....
فَقَأُوا عَيْنَي أَبِيهَا ...
بَقَرُوا بَطْنَ أُمِّهَا دَاسُوا عليها
بَقَرُوا كُلَّ البُطُونِ القُرَشِيَّهْ
شَوَّهُوا كُلَّ الوُجُوهِ العَرَبِيَّهْ
طَمَسُوا كُلَّ التواريخِ الأَبِيَّهْ
وَيُبَيِّنُ إِيلِيِّا أبو ماضي الشاعر
اللبناني ما حل بالديار المقدسة من بؤس وشقاء على أيدي الاستعمار والصهيونية العالمية,
التي تُصرُّ على اغتيال المقدسات في ديار السلام، لكن المقدسات تأبى الإذعان كما تأبى
مروءة الغيارى من أهلها، والسيوف والقنا العربية أَنْ يتركوها مسرحاً لشذاذ الآفاق،
ويُبَكِّتُ شاعرنا بلفور والإنجليز, الذين أعطوا القدس وفلسطين لليهود، وهي ليست بلادهم،
وردت هذه المشاعر الصادقة ,والعواطف الجياشة في قصيدة بعنوان ( فلسطين )( أبو ماضي : 1982
:739 ) .. قال فيها :
دِيَارُ السلامِ
، وأَرْضِ الهَنَا يَشُقُّ
على الكُلِّ أَنْ تَحْزَنَا
فَخَطْبُ فلسطينَ خَطْبُ العُلَى وما كانَ رُزْءُ العُلَى هيَّنا
سَهِرْنَا لَهُ فَكَأَنَّ
السيوفَ تَحُـزُّ بِأَكْبَـادِنَا هَهُنَا
يُرِيدُ اليهودُ بِأَنْ يَصْلُبُوهَا وتَأْبَى فلسطينُ أَنْ تُذْعِنَا
وَتَأْبَى المروءةُ في أَهْلِهَا وَتَْأبَى السُّيُوفُ وَتَأْبَى
القَنَا
أَأَرْضُ الخـيالِ
وآيـاتِهِ وَذَاتُ الجَلالِ وَذَاتُ السَّنَا
تصيرُ لِغَوْغَائِهِمْ مَسْرَحَاً! وَتَغْدُو لِشُذَّاذِهِمْ مَكْمَنَا!
أَلا لَيْتَ
بِلْفُورَ أَعْطَاكُمُ بِلادَاً لَهُ لا بِلادَاً لَنَا
فَلَنْدَنُ أَرْحَبُ
مِنْ قُدْسِنَا وَ أَنْتُمْ أَحَبُ إِلى لَنْدَنَا
ويكشف عبد الرحمن العشماوي الشاعر السعودي عن واقع أمته الممزق، حيث انشغل أبناؤها
عن قضايا أمتهم الخطيرة، وفي مقدمتها القدس الحزين، واكتفوا بالبكاء وذرف الدموع، و
الجري وراء ملاذ الدنيا، فيقرع لها ناقوس الخطر علَّها تفيق من سُباتها وتعود إلى صوابها،
بعد أن أصبحت أُلعوبة الأمم ,لافتاً نظرها إلى حقيقة هامة، بأن الشرق والغرب يتربصون
بالعرب، فلا تخدعنا وعودهم وتصريحاتهم, وقد توج أبياته بحكمة رائعة " و هل يصون
دمي من يستبيح دمي " ، يقول( العشماوي :- :29) :
لِمَنْ أُغَنِّي؟ومَنْ حولي يعيشُ على عَزْفِ الرصاصِ، ويَخْشَى رِقَّةَ النَّغَمِ
وكيفَ تبكي، و في عَيْنَيْكَ أُغْنِيَةٌ وكيفَ تَسْتَنْهِضُ
الدُّنْيَا ولَمْ تَقُم
ِ؟
نَبَشْتَ ذاكرةَ التاريخِ فانْكَشَفَتْ عن وَجْهِ (عَمْرٍو) وعن إِقْدَامِ (مُعْتَصِمِ)
يا لائِمِي وجِرَاحُ القلبِ نازفةٌ وَبِي مِنْ الحُزْنِ
ما يُغْنِي عن الْقَسَمِ
يا نفسُ ماذا تَرَيْنَ اليومَ في بَشَرٍ يطاردونَ رُكَامَ العَيْشِ
كالْنُّعُمِ ؟
بكيتُ لبنانَ حتى راحَ يَهْزُأُ بِي وتُهْتُ في عَالِمٍ
بالرُّعْبِ مُزْدَحِمِ
وقَبْلَهُ كَمْ بَكَيَْنا القدسَ مِنْ أَلَمٍ فَهَلْ مَنَعْنَاهُ مِنْ حُزْنٍ وَمِنْ أَلَمِ
؟
يا أُمَّةٌ لم أَزَلْ أَشْدُو بِعِزَّتِهَا وإِنْ تَكُنْ أَصْبَحَتْ أُلْعُوبَةَ الأُمَمِ
يا أُمَّةٌ لم أَزَلْ أَشْدُو بِعِزَّتِهَا وإِنْ تَكُنْ أَصْبَحَتْ أُلْعُوبَةَ الأُمَمِ
الشَّرْقُ والغَرْبُ أَعْدَاءٌ وإِنْ وعَدُوا وهل يَصُونُ دَمِي مَنْ يَسْتَبِيحُ دَمِي
وقد زاد من تعميق هذه
الجراح، ما تعرضت له المدينة المقدسة من أحداث ارتكبها الكيان الصهيوتي في هذه المدينة
المقدسة، من قصف ,ونسف, وإحراق ,وتقتيل, فامتزجت رائحة القداسة بلون الدماء والدخان،
من هذا الجو المشحون بكل المعاني والألوان والصور استقى محمد مصطفى الماحي الشاعر
المصري صوره وأفكاره , وصور ما أصاب القدس من جراح في عهد الصليبيين، وفي عصرنا الحديث,
كما أورد صور المآسي التي تحياها القدس في ظل الاحتلال,وافتدائه القدس بالغالي والنفيس،
في قصيدة بعنوان (فلسطين ) ( الماحي : 1957 :
107) فقال :
فلسطينُ الشهيدةُ
لا
تَرَاعِي فَإِنَّا
حَوْلَ قُدْسِكِ رابِضُونَا
فَكَمْ مِنْ مَرَّةٍ أَضْحَى جَرِيحَاً وَكَمْ
مِنْ مَرَّةٍ أَمْسَى طَعِينَا
وَطَوْرَاً
لِلْصَلِيبِيْينَ دَعْوَى وأُخْرَى لليـهودِ الغَاصِبِينَا
فِدَاكِ المسلمونَ ولستُ أَغْلُو فَكَمْ
رَوَّى الثَّرَى دَمُهُمْ سَخِينَا
وبلهجة ساخرة وعتاب
مر، يتساءَل عمر أبو ريشة، عن سبب هوان أمته، وعلو راية إسرائيل في حمى المهد والحرم،
ولماذا استكانت ولم تنفض عنها غبار الذل! وقد كانت بالأمس تخشاها الأمم، لكنه يضع إصعبه
على الجرح، ويلقى باللوم والمسؤولية على قادة أمتنا, الذين انشغلوا عن الأمجاد والمقدسات
بأمورهم الخاصة، فلم تعد بهم نخوة المعتصم. هذه الصورة التي تفوح منها الحسرة والألم
رسمها الشاعر في قصيدة له بعنوان (أمتى) ( السوافيري :1963
ك 512) قال فيها :
أُمَّتِي هلْ لَكِ
بَيْنَ
الأُمَمِ مِنْبَرٌ
للسيفِ أَوْ للقلمِ
أَتَلَقَّاكِ
وَطَرْفِي مُطْرِقٌ خَجَلاً مِنْ أَمْسِكِ الْمُنْصَرِمِ
ويكادُ الدمعُ يَهْمِي عَابِثَاً بِبَقَايَا كِبْرِيَاءِ الأَلَمِ
أَ لِإِسْرَائِيلَ تَعْلُو رَايَةٌ فِي حِمَى الْمَهْدِ وَظِلِّ
الحَرَمِ؟!
كيفَ أَغْضَيْتِ عَنْ الذُّلِ وَلَمْ تَنْفُضِي عنكِ غُبَارَ التُّهَمِ
؟
اسْمَعِي نَوْحَ الْحَزَانَى واطْرَبِي وانْظُرِي دَمْعَ اليَتَامَى
وابْسَمِي
وَدَعِي الْقَادَةَ في أَهْوَائِهَا تَتَفَانَى
في
خَسِيسِ الْمَغْنَمِ
رُبَّ وامُعْتَصِمَاهُ انْطَلَقَتْ مِلْءَ أَفْوَاهِ الصَّبَايَا الْيُتَّمِ
لا مَسَتْ
أَسْمَاعَهُمْ لكنَّهَا لَمْ
تُلامِسْ نَخْوَةَ
المُعْتَصِمِ
وحين اعتدى الكيان الصهيوني على القدس، وقصف
كنيسة القيامة في ليلة الميلاد، ماتت أغنية المسيح على فم الشاعر ألماً، وخيم البؤس
على المدينة المقدسة، وتناثرت أشواك إكليل الميلاد في كل مكان، فهتفت جراح المهد بالأحفاد
الذين ضيعوا مجد الآباء والأجداد، مما دفع بالشاعرالفلسطيني المسيحي كمال ناصر أن يطلب
من المسيح أن يغضب لما حل بمقدساته، وإنْ لم يفعل سيتخلى أتباعه عما جاء به، تلك قمة
سَوْرة شاعرنا التي بثها في قصيدة بعنوان (عيسى بن مريم)( ناصر : 1974 :
344 ) ,التي قال فيها:
يا ليلةَ الميلادِ هذا شاعرٌ يَشْكُو الأَذَى
في ليلةِ الميلادِ
أَحْلامُهُ ذَبُلَتْ وعَاجَلَهَا الْرَّدَى فَذَوَتْ
على غُصْنِ الصَّبَا الْمَيَّادِ
فتموتُ أُغْنِيَةُ المسيحِ على فَمِي أَلَمَاً، ويَخْرَسُ كلُّ طَيْرٍ شادِي
هذي دِمَاؤُكَ لَمْ تَزَلْ مَسْفُوحَةً فوقَ
الصليبِ تصيحُ بالجلاَّدِ
إِكْليلَكَ الفخمُ الجميلُ تناثرتْ أَشْوَاكُهُ في أُمَّتِي
وبلادِي
فاسمعْ جِرَاحَ المَهْدِ تَهْتِفُ نِقْمَةً واضَيْعَةَ الأَوْلادِ والأحفادِ
عيسى ابنُ مريمَ قَدْ عَرَفْتُكَ هَادِئَاً فاغْضَبْ ولَوْ في ليلةِ المِيلادِ
واشْهَدْ مَآسِي الْغَرْبِ كُلُّ جريمةٍ قامتْ هنا باسمِ المسيحِ الفادِي
إِنْ كُنْتَ منهم يابنَ مريمَ فَلْتَعُدْ لِرُبُوعِهِمْ
، لا كُنْتَ فينا الهادِي
وقد استطاع هارون هاشم رشيد الشاعر
الفلسطيني أن يكثف لدينا الإحساس بقداسة المدينة من ناحية, ويعمق تعلقنا بها من ناحية
أخرى, بما رسمه من صور، تداخل فيها الزمان بكل أبعاده بالمكان بكل تفاصيله، جاء ذلك
في ملحمته (مزامير الأرض والدم) ( رشيد : 1981 :
612 ) حيث امتزجت صور السجن
بالموت بالقهر بالقداسة الحزينة، فقال :
هنا القدسُ هنا
... الأَبوابُ والسُّورُ
هنا يا أُمَّتِي
الثَّكْلَى هنا الدِّينُ هنا النُّورُ
هنا الأَقصى الحزينُ الوجهِ
مَكْلُومٌ ومَقْهُورُ
هنا حتى .. كتابُ اللهِ مَسْجُونٌ ومَأْسُورُ
هنا .. ماذا
هنا في القدسِ تخريبٌ وتدميرُ
وأَصْوَاتٌ .. مُوَلْوِلَةٌ وإِرْهَابٌ وتحذيرُ
ومَوْتٌ يَقْرَعُ
الأَبْوَابَ مَنْشُورٌ ومَسْعُورُ
ويلح شاعرنا على تعميق الإحساس بواقع مدينة
القدس، بما يكرره من صور تختلط فيها المشاعر, كما تختلط فيها ألوان المأساة، وذلك بتجسيم
تلك الصورة وتشخيصها، عندما صور مدينته التي سجنت بغانية تئن تحت سنابك الحقد، وخطا
الغزاة تصفعها، وتَفُضُّ طُهْرَها, رغم مَنْ عرفت وما عرفت مِنْ خطوات محمد ومريم والمسيح
عليهم السلام؛ كل ذلك صوره بألفاظ سهلة بسيطة، تأْخذ بمجامع القلوب، فتتفاعل معها في
قصيدة (القدس)( رشيد :1981 :442 ) التي جاء فيها:
لِعَيْنَيْهَا ..
مَدِينَتِيَ
التي سُجِنَتْ
لِمَسْجِدِهَا ..
لأَقْصَاهَا ..
لِحُرْمَتِهَا
التي انْتُهِكَتْ
لِخَطْوِ
محمدٍ فيها
لِمَا
حَمَلَتْ
وما
حَفِظَتْ
لمريمَ
والمسيحِ
وكلِّ
مَا عَرَفَتْ ومَنْ عَرَفَتْ
لِعَيْنَيْهَا
..
مَدِينَتِيَ
التي اُغْتُصِبَتْ
وفوقَ
جَبِينِهَا الْمَشْجُوجِ
آيُ
اللهِ قد طُمِسَتْ
لها ..
للقدسِ وهيَ تَئِنُ
تحتَ
سَنَابِكِ الْحِقْدِ
خُطَى
الْغَازِينَ تَصْفَعُهَا
تُلَطِّخُ
جَبْهَةَ الْمَجْدِ
تَفُضُّ
الطُّهْرَ عن عَيْنَيْنِ
للصَّخْرَةِ
والْمَهْدِ ..
لها .. للقدسِ ..
في الأَسْرِ الْمُذِلِّ
تَضِجُّ في الْقَيْدِ
أُنَادِي ..
مَنْ يا ترى ينادي شاعرنا ؟! – بعد أن هزَّ
الدنيا بندائه- لقد نادى أمته بملايينها ,نادى
قومه, لكن أحداً لم يهزَّهُ النداء ، وإن هزَّهُ
لم يُلبِّ ، وهذا يذكرنا بقول الشاعر:
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حَيَّاً ولكنْ لا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي
مما دفع الشاعر أن ينادي قومه الأموات قبل الأحياء
؛ هروباً من الواقع المؤلم - الذي يعيشه - إلى الماضي الزاهر , كما ينادى كل طوائف
شعبه من مسيحيين ومسلمين .. شِيْبَهُمْ وشبابهم .. أبطالهم وجيوشهم .. يدعوهم أَنْ
يهبوا الآن لأجل القدس التي تموت من الأَحزان، فهي لا تحتمل الانتظار، يقول من القصيدة
نفسها:
أُنَادِي كُلَّ مَوْتَانَا أُنَادِي كُلَّ أَحْيَانَا
أُنَادِيهُمْ أَنَاجِيْلاًََ إِذا سَمِعُوا وقُرْآنَا
أَنَادِيهُمْ مِنَ الأَعْمَاقِ فُرْسَانَاً وَشُجْعَانَا
أُناَدِيهُمْ كَتَائِبَنَا وَأَدْعُوهُمْ سَرَايَانَا
أَقُولُ لَهُمْ لِأَجْلِ الْقُدْسِ تَصْمِيمَاً
وَإِيمَانَا
لِأَجْلِ القدسِ أَدْعُوكُمْ فَطُهْرُالقدسِ قَدْهَانَا
فهلْ تَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ وَهْيَ تَمُوتُ أَحْزَانَا ؟
وفي الحفل
السنوي الذي أقامه جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز؛ تكريماً لحجاج بيت الله الحرام
بمِنَى في 11/12 / 1390 هـ الموافق 7/2 /1971م, يوضح زاهر الألمعي أبعاد نكبة القدس
التي أدمت القلوب, بعد أنْ أطبق الكيان
الصهيوني على ما تبقى منها ، فها هي العِدَى تعيث في مواطن الإسراء، وها هي القدس تنادي
أبناءها؛ ليرفعوا عنها بعض ما حل بها من جرَّاء الاحتلال، لكن القوم لاحياة لمن
تنادي, يقول من قصيدته (يا ثالث الحرمين) (الألمعي :1403 هـ :229 ) :
يـا ثالثَ الحرمينِ إِنَّ الْعَهْدَ فـي أَعْنَاقِـنَا قَـْد صَـاَر
عَهْدَاً أَكْـَبرَا
لَهَفِي عليـكَ وَللسِياسيةِ
مَكْرُهَا أَتُبَاعُ فـي سوقِ الطُّـغَاةِ وَتُشْتَرَى؟
وَيَشِـيدُ أَبْـنَاءُ اليـهودِ بِغِـيِّهِمْ فوقَ الرُّبُوعِ الطَّـاهِرَاتِ مُعَسْكَرَا؟
أَتُـدَاسُ أَقْـدَاسُ الجـدودِ تَعَـنُّتَاً وَمَـسَاجِدُ التَّقْوَى تُهَانُ وَتُزْدَرَى
؟
والمسجدُ الأَقْصَى يُخَضَّبُ بِالدِّمَـا والكونُ , كُلُّ الكونِ أَعْمَى
لا يَرَى ؟
حريق المسجد الأقصى:
في الحادي والعشرين من آب (أغسطس) لعام ألف وتسعمائة
وتسعة وستين، امتدت يد صهيونية آثمة لتشعل النار في المسجد الأقصى المبارك، بتدبير
من سلطات الاحتلال، للقضاء على المسجد الأقصى, الذي يربط قلوب مئات الملايين بالقدس،
والذي لم تستطع حكومة الكيان الصهيوني تهويده كما فعلت بمعظم مدينة القدس؛ فهبَّ أبناءُ
المدينة وسط النيران، محاولين إطفاءها بإمكاناتهم المتواضعة، وما أن وصلت سيارات الإطفاء-
التي تعمدت سلطات الاحتلال تأخير وصولها وإعاقتها- حتى كانت النار قد أتت على جانب
كبير من المسجد, ونسب الكيان الصهيوني هذا الحريق إلى يهودي، ادعى- كعادته - أنه مختل
عقلياً.
أثارت هذه
الحادثة كثيراً من الشعراء الذين عبروا عن سخطهم. وقد تناول الشاعر الفلسطيني عدنان
النحوي حريق المسجد الأقصى في قصيدته ( لم
يبق في عرفات إلا دمعة)( النحوي :1985 :197 )، استطاع فيها أن يحرك
مشاعرنا, من خلال تحريكه المكان والزمان، حيث ربط بين مكة والقدس، وبين الماضي الزاهر،
والحاضر العاثر، وكان لأسلوب الالتفات الذي استخدمه الشاعر أثره البالغ في النفس، فضلاً
عن الإيقاع الجميل في القصيدة التي يقول فيها:
أَنَا مَهْبِطُ الْوَحْي الْكَرِيمِ وَسَاحَةُ
الْـ مَسْرَى العَظِيمِ
وآيَةٌ وَجِنَانُ
أَنَا مِنْ ثَرَى عَدْنٍ طَوَيْتُ جِنَانَهَا قُدْسَاً وَمَكَّةُ ضَمَّهَا رُضْوَانُ
ومساجدٌ نَضَّ الهوى
بِقِبَابِهَا جُنْحَيْهِ فَانْتَفَضَتْ لها أَحْزَانُ
الذكرياتُ على رُبَاهَا زَهْرَةٌ فَيَطِيبُ
عندَ شَمِيْمِهَا السُّلْوَانُ
وَتَلَفَّتَ الأَقْصَى وَبَيْنَ جُفُونِهِ دَمْعٌ
وَبَيْنَ ضُلُوعِهِ نِيرَانُ
يالَوْعَةَ الأَقْصَى ! وَدَوَّتْ صَرْخَةٌ يَطْوِي صَدَاهَا
ذِلَّةٌ وَ هَوَانُ
يا لَوْعَةَ الأَقْصَى وَبَيْنَ
ضُلُوعِهِ نَارٌ وَفَوْقَ
قِبَابِهِ عُدْوَانُ
والْمِنْبَرُ الدَّاوِي على دَرَجَاتِهِ خَطْوُ
الْكُمَاةِ إِذَا عَلَتْ وَأَذَانُ
وَتَلَفَّتَ الأَقْصَى
لِمَكَّة َ لَوْعَةً أُخْتَاهُ تَنْهَشُ أَضْلُعِي الْغِرْبَانُ
أُخْتَاهُ ! أَيْنَ المسلمونَ وحَشْدُهُمْ أَيْنَ الملايينُ الغُثَاءُ
! أَهَانُوا ؟
أُخْتَاهُ ! وانْقَطَعَتْ حِبَالُ نِدَائِهِ واغْرَوْرَقَتْ مِنْ دَمْعِهِ الأَجْفَانُ
ومن القصائد التي تحدثت عن حريق المسجد الأقصى قصيدة
(واحترق الأقصى)( عقيلان :-
: 26) لأحمد فرح عقيلان, التي أهداها إلى مؤتمر
القمة الذي انعقد في الرباط, إثر حريق المسجد الأقصى الشريف، قال فيها :
تَكَشَّفَ الأَمْرُ عن حِقْدٍ وعن لَهَبِ وَشَبَّتْ
النَّارُ في مِيرَاثِ خَيْرِ نَبِي
وَقَهْقَهَ الْكُفْرُ في لُؤْمٍ
وَسُخْرِيَةٍ لَمَّا
رَأَى القدسَ يَذْرِي دَمْعَ مُنْتَحِبِ
يا مَنْ رَأَى الْقِبْلَةَ الأُولَى وقد حُرِقَتْ نَفْسِي الْفِدَاءُ لِذَاكَ المسجدِ الحَزِبِ
بَكَتْ لَهُ الكعبةُ العُظْمَى شَقِيقَتُهُ ومَادَتْ الرَّوْضَةُ الْغَرَّاءُ
مِنْ غَضَبِ
يا مسلمونَ لقد عُدْنَا بِلا وَطَنٍ ولا تُرَاثٍ
ولا مَجْدٍ ولا حَسَبِ
إِنْ لم تَثُرْ لِحَرِيقِ القدسِ غَضْبَتُنَا فَنَحْنُ مِنْ مَعْدَنِ الأَحْجَارِ والْخَشَبِ
ولم يسلم من التنديد حتى العرب المتقاعسين عن نصرة
القدس, كما هو الحال لدى الشاعر التونسي الحبيب المستاوي, وقد ندد بالعرب الذين
لايفكرون بما حل بقومهم ومقدساتهم , ولا وما ينتظرهم من سوء المصير, غير عابئين
بمجدهم السليب وذلك من خلال أسلوبه الساخر, حيث يصفهم بغثاء السيل, وبالخُشُبِ المُسَنّدة
,يهيمون باللهو والطرب , يقول :
مَزِّقِي صُهْيُونُ
أَشْلاءَ الْعَرَبِْ وافْعَلِي مَا شِئْتِ فَالْقَوْمُ خُشُبْ
مَزِّقِيهِمْ , دَنْسِي
أَقْدَاسَهُم ْ احْرِقِيهِمْ بِلَظَىً ذَاتِ لَهَبْ
فَهُمُ اليومَ غُثَاءٌ دَأْبُهُمْ زُخْرُفُ الْقَوْلِ وَتَنْمِيقُ الْخُطَبْ
إِذْ أَرَاهُمْ
والرَّدَى يَجْتَاحُهُمْ عَبَدُوا
اللهْوَ وهَامُوا بِالطَّرَبْ
بُلْبِلَتْ أَفْكَارُهُمْ
يا وَيْحَهُمْ مَنْ تُرَى
يُرْجِعُ مَجْدَاً قد سُلِبْ؟
(جدع وجرار:1985 :145 )
وخلاصة
القول: أن تطلع الشعراء إلى القدس, باعتبارها
مدينة مقدسة، تشتمل على كثير من أماكن العبادة للديانات الثلاث، وما لها من علاقة بالرسل
والأنبياء، والأحداث الدينية الهامة. لذا بكى الشعراء القدس بدرجات متفاوتة، فمنهم
من بكاها بدموع باردة على هامش الأحداث والمناسبات، ومنهم من بكاها بدموع حارة. كما
صوروا ما حل بالمقدسات من هوان وتدنيس، ونحوا باللائمة على أولى الأمر، ودعوا إلى التضامن
ورفع راية الدين عن طريق الجهاد، فشحذوا العزائم، وأثاروا الهمم، وذكَّرُوا بالأبطال
المجاهدين, أمثال عمر بن الخطاب، وخالد، والمعتصم، وصلاح الدين، وغيرهم, ونددوا بإحراق
المسجد الأقصى ودعوا إلى الثأر والانتقام وتحرير المقدسات, وشارك الشعراء بوعيهم الشامل
في صناعة القصيدة التي يمتزج فيها الدين بالسياسة والثقافة بالفكر، فاستلهموا رموزاً
دينيةً - لها علاقة بالقدس, كأسماء الأنبياء والرسل والأماكن والأحداث - يهودية، ومسيحية،
وإسلامية، وردت بصورة أكبر عند الشعراء المسلمين, كما ركزت معظم القصائد على بعض الرموز
دون غيرها, مثل عيسى، والصليب، والإسراء، وصلاح الدين، وحطين؛ لما تمثله من تحمل للظلم
والعذاب والتضحية كما في عيسى والصليب، ولبيان أهمية القدس ومكانتها عند المسلمين كما
في الإسراء، والتطلع إلى البطل المفتقد في عصرنا
كما في صلاح الدين بطل حطين ومحرر القدس.
ب - البعد الإنساني
:
إن إنسانية الأدب (الإنسان) لا يمكن أن تعنى
التحلل من أواصر الوطن، ومن وشائج الأرض والمجتمع " ويخطئ من يظن أنه ليس في وسع
الأدب السمو إلى أفق الإنسانية إلا بالابتعاد عن اللون المحلي أو القومي، وربما كان
العكس هو الصواب، أي أنه كثيراً ما كان الأدب أصدق إنسانية إذا كان أصدق قومية، ذلك
أن الابتعاد المصطنع عن القضايا القومية والألوان المحلية يخرج الأدب عن نزاهته وصدقه,
إن النزعة الإنسانية المصطنعة ربما أبعدت الإنسان عن وطنه، أما النزعة الإنسانية الأصيلة
فهي التي تربطه بوطنه ربطاً لا انفصام له، وعلى هذا فالدعوة إلى الاستقلال والمطالبة
بالحرية ومكافحة، الاستبداد، أهداف قدستها الشعوب، وباركت مَنْ بَشَّروا بها، وقد كان
لها في الأغلب وجهان: قومي وإنساني معاً, وإن من الأعمال الأدبية الحديثة، التي استلهمت
من وحي القومية ما يحمل في طياته بذور الخلود، والإنسانية، ويمكنه أن يتعدى الحدود
ليجد فيه كل شعب طريقه إلى الحرية، ومرآة لنفسه وإن أدباً كهذا، دائم الاتصال بالقيم
البشرية لا شك أنه جدير بالحياة"(الطرابلسي :1952 :183 ).
وتعتبر قصيدة (زهرة
المدائن)( عيد :1974 : 51) للأخوين عاصي ومنصور
رحباني - التي غنتها فيروز وكان لها صدى كبير في الشارع العربي - تعتبر المشروع الأول
لقصيدة القدس مكاناً وموتيفيا(*) . وأراني مضطراً لعرضها
كاملة لأنها تعتبر نقطة التحول في قصيدة القدس بهذا الشأن، والتي جاء فيها :
لأَجْلِكِ يا مدينةَ الصلاةِ .... أُصَلِّي
لأَجْلِكِ يا بَهَيَّةَ المَسَاكِنْ .. يا زهرةَ المدائنْ ... يا قدسُ .. يا قدسُ .. يا قدسُ
يا مدينةَ الصلاةِ .... أُصَلِّي
عُيُونُنَا إِلَيْكِ تَرْحَلُ كُلَّ يَوْمٍ تَجُولُ فـي أَرْوِقَةِ المَعَابِـدْ
تُعَانِقُ الــكنائسَ القديمةْ وَتَمْسَحُ
الحُزْنَ عن المساجدْ
يا ليلةَ
الإِسْرَاءْ
يا دَرْبَ مَنْ مَرُّوا إِلَى السماءْ
عُيُونُنَا إِلَيْكِ تَرْحَلُ كُلَّ يَومْ
وإِنَّنِي أُصَلِي
الطفلُ في المَغَارَةْ ، وأُمُّهُ مَرْيَمْ وَجْهَانِ
يَبْكِيَانْ
لِأَجْلِ
مَنْ تَشَرْدُوا
لِأَجْلِ
أَطْفَالٍ بِلا مَنَازِلْ
لِأَجْلِ مَنْ دَافَعَ
و اسْتُشْهِـَد في المَدَاخِلْ
واسْتُشْهِدَ السَّلامُ في وَطَـنِ السَّلامْ
(*) جمال المكان الذي يثيرإحساسا ما بالمواطنة وبالزمن
وبالمحلية والذي نراه واقعا ورمزا مبنيا في المخيلة من خلال المخزون التاريخي
واللغة والأسلوب إلى درجة أن يلتصق بالمكان بعد أن تزول الحواجزيتداخل فيها الزمان
والمكان
وَسَقَطَ
العَجْزُ على المَدَاخِلْ
حِيْنَ هَوَتْ مدينةُ القدسِ ........ تَرَاجَعَ
الْحُبُّ
الطِّفْلُ
في المَغَارَةْ ، وأُمُّهُ مَرْيَمْ وَجْهَانِ
يَبْكِيَانْ
وَإِنَّنِى أُصَلِّي
الْغَضَبُ السَّاطِعُ آتٍ بِجِيَادِ الرَّهْبَـةِ آتٍ
وَكَوَجْـهِ اللهِ الْغَامِرْ لَنْ يُقْفَلُ بَابُ مَدِيْنَتِنَا
فَأَنَا
ذَاهِبَةٌ لأُصَلِّي
سَأَدُقُّ على الأَبْوَابْ وَسَأَفْتَحُ
هَا الْأَبْوَابْ
وَسَتَغْسِلْ يَا نَهْرَ الأُرْدُنْ وَجْهِي
بِمَياهٍ قُدْسِيَّةْ
وَسَتَمْحُو يَا نَهْرَ الأُرْدُنْ آثَارَ الْقَدَمِ
الْهَمَجِيَّةْ
الْبَيْتُ لَنَا والقدسُ لَنَا
وَبِأَيْدِيْنَا سَنُعِيْدُ
بَهَاءَ القدسِ بِأَيْدِينَا
للقدسِ
سَلامٌ آتٍ للقدسِ سَلامٌ آتٍ
وقد برع الشاعرالسوري نزار قباني في نقل الأحاسيس
والمشاعر، ووصف كل ماله علاقة بالقدس, كمكان له خصوصيته، من ناحية تاريخية، ودينية،
وسياسية، وحضارية،في قصيدة ( القدس)( قباني : 1993
:164 ) التي جاءت على غرار
القصيدة السابقة، من حيث اللغة الشعرية، والإحساس بالمكان، والبحث عن الخلاص واللجوء
إلى الرموز الدينية لتصوير المأساة الإنسانية .
يقول فيها :
بَكَيْتُ حتى انْتَهَتْ الدُّمُوعْ
صَلَّيْتُ ..
حتى ذَابَتْ الشُّمُوعْ
رَكَعْتُ ... حتى مَلَّنِي الرُّكُوعْ
سَأَلْتُ عن
محمدٍ
فِيْكِ ، وَعَنْ يَسُوعْ
يا قدسُ ،
يا مدينةٌ
تَفُوحُ أَنْبِيَاءْ
يا أَقْصَرَ
الدُّرُوبِ بَيْنَ
الأَرْضِ وَالسَّمَاءْ
يـا قدسُ يـا مدينةَ
الأَحْزَانْ
يا دَمْعَةٌ
كبيرةٌ تَجُولُ
في الأَجْفَانْ
مَـْن
يُوْقِــفُ الْعُـدْوَانْ
عَلَيْكِ يا لُؤْلُؤَةَ الأَدْيَانْ ! يا قدسُ يا مدينتِي
يا قــدسُ يـا حبيبتِي
غَدَاً ...
غَدَا ً ... سَيُزْهِرُ
الليمونْ
وَتَفْرَحُ السَّنَابِلُ
الخضراءُ والزيتونْ
وَتَضْحَكُ العيونْ
..
وَتَرْجِعُ
الحَمَائِمُ الْمُهَاجِرَةْ
إِلَى
الـسُّقُوفِ الطَّـاهِرَةْ
وَيَرْجِعُ الأَطْفَالُ يَلْعَبُونْ
وَيَلْتَقِي
الآبَاءُ والْبَنُونْ
على
رُبَاكِ الزَّاهِرَةْ ..
يَا بَلَدِي
يَا
بَلَدَ السَّلَامِ والزيتونْ
وتختلط الألوان, كما تختلط الأحزان, في صورة
مركبة رسمهاالشاعر الفلسطيني سميح القاسم مليئة بالمشاهد المختلفة، صورة زنابق مزهرية
فيروز - المرتبطة بالقدس - ملونة بدماء عصفورة جريحة وضحايا القدس، بصوت الباعة الجياع،
وطفلة كسيحة تبكى على مآذن القدس الذبيحة، في ظلمة الليل والمداخن، الذي يخيم على المدينة
العتيقة. من الواضح اعتماد الشاعر على ذاكرته الداخلية, التي حاولت أن تجسم مأساة القدس
بكل أحزانها ومآسيها؛ ليخرج بها من المحلية إلى العالمية, وردت هذه الصور في قصيدته
( زنابق لمزهرية فيروز) (
القاسم : 1987 :206) قال فيها :
مِنْ
أَيْنَ يَا صَدِيقَهْ
حَمَلْتِ المَزْهَرِيَّهْ
وَالْنَظَّرَةَ الشَّقِيَّهْ
* مِن الْقُدْسِ الْعَتِيقَهْ
رَأَيْتُ
فِي الشَّوَارِعْ
لَيْلاًَ
مِن الْعُيُونْ
وَأُخْوَةً يَبْكُونْ
وَأَلْفَ
طِفْلٍ ضَائِعْ
رَأَيْتُ سَائِحِينْ
وبائعاً
يَصِيحْ :
مَنْ يَشْتَرِي الْمَسِيحْ
بِحِفْنَتَي طَحِينْ
رَأَيُْت
في المَدَاخِنْ
عُصْفُورَةً
جَرِيحَهْ
وَطِفْلَةً كَسِيحَهْ
تَبْكِي
على المَآذِنْ
لَدَيَّ يا
صَدِيقَهْ
زَنَابِقٌ حمراءْ
أَلْوَانَهَا دِمَاءْ
مِن الْقُدْسِ
العَتِيقَهْ
ويقدم
الشاعرالفلسطيني أمين شنار, في شكل حوار بين أم وابنها- القدس أماً، يودها ويحبها،
يعود إليها بعد طول غياب، فتفرح بعودته, وتسأله عن حاله وصَحْبِه.
صور ذلك في قصيدته (بيت المقدس)( شنار : 1962 :
15 ) فقال:
وهذهِ المدينةُ القدسيةُ الرِّحَابْ
تُحِبُّنِي تَبُوحُ لِي ، وَحُبُّهَا تَنَهُّدٌ
، وَبَوْحُهَا عِتَابْ
بُنَيّ كيفَ يَا بُنَيّ
...... يَهْجُرُ الأَحْبَابْ
أُمَّاً تُهَدْهِدُ الظَّمَا
بِدَمْعِهَا
الْمُنْسَابْ
أُمَّاً
تَجُوعُ تَأْكُلُ الآهَاتِ وَ الأَوْصَابْ
بُنَيّ عُدْتَ يَا بُنَيّ !
يَا وَلَدِي
الصغيرْ
أَيْنَ الصِّحَابُ يَا بُنَي ؟ أَيْنَ مَوْكِبِي الكبيرْ؟
قَدْ أَقْفَرَتْ
مَلاعِبُ الرِّجَالْ
وَلَيْسَ في سُوحِ الْعُلا أَبْطَالْ
أُمَّاهُ
يَا أُمَّاهُ
يَا مدينةَ
الأَقْدَاسْ
مَدِينَةَ الحِدادِ والمَآذِنِ
الخَرْسَاءِ والأَجْرَاسْ
ومما يؤكد البعد الإنساني للقدس حتى من غير العرب والمسلمين البيان الذي أصدره منظمو مسيرة القدس العالمية - بُعَيْد انتهاء
فعاليات "مسيرة القدس العالمية", التي أحيت ذكرى يوم الأرض يوم الجمعة, الموافق
الثلاثين من مارس2012 في كافة أرجاء فلسطين والعديد من الدول العربية والأوروبية، الذين
خرجوا تضامنا مع حق الشعب الفلسطيني في التحرر- بعنوان "الإعلان العالمي للقدس؛
شعوب العالم تريد تحرير القدس". وجاء في بيان المنظمين:" لأن القدس هي أولى القبلتين,
وثالث الحرمين الشريفين, ومسرى -محمد صلى الله
عليه وسلم- ومهد عيسى -عليه السلام-، ولأن القدس كانت على مدار التاريخ أرض الأنبياء,
وقبلة العلماء, ومثوى الشهداء, ومحج العباد، ولأن القدس كانت مهبط الرسالات والأديان,
وعاشت فيها المذاهب والأفكار بانسجام وسلام ووئام، ولأن القدس ظلت على الدوام مركزاً
حضارياً للإنسانية كلها وعاصمة للشعب الفلسطيني المجاهد، ولأن القدس تتعرض اليوم لأبشع
هجمة صهيونية تستهدف تغيير هويتها الفلسطينية العربية الإسلامية, وتسعى لطرد أهلها,
ومصادرة أراضيها, ومحاصرتها بالمستوطنات, وتقطيع أوصالها بجدار الفصل العنصري، ولأن
المساجد والمقدسات تتعرض لخطر الهدم والتدمير والتهويد، لذلك كله تداعى الملايين من
أحرار العالم, من كل الأديان والأعراق, وفي أكثر من 150 مدينة, من كل قارات العالم,
للمشاركة في المسيرة العالمية إلى القدس ,لإصدار هذاالإعلان , وجاء نص الإعلان العالمي
للقدس، بالتأكيد على الدعم المطلق لحق الشعب الفلسطيني الصامد, في مواجهة العدوان الصهيوني
بكل الوسائل وتأكيد حقه في الحرية وتقرير المصير والاستقلال، واعتبار العدوان الإسرائيلي
على القدس وهويتها العربية الإسلامية والحضارية عدوانا على الإنسانية جمعاء وقيمها
الإنسانية وتراثها الحضاري، واعتبار الدفاع عن مدينة القدس واجبا على كل أحرار العالم,
و دعوة شعوب العالم للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ودعوة الحكومات العربية والإسلامية
وكافة الأحزاب والمنظمات والقوى الشعبية؛ للقيام بواجبها في حماية القدس وأهلها، ودعوة
كافة المؤسسات الدولية لإثبات مصداقيتها في الدفاع عن الشعب الفلسطيني المظلوم, من
عصابات الإجرام التي تستهدف الإنسان و المقدسات في القدس وعموم فلسطين، والتعاهد على
استمرار التحركات الجماهرية والفعاليات التضامنية, حتى تحرير القدس, وعودتها إلى أصحابها
الشرعيين"(. نشر بتاريخ: 2012-04-01.
www.fatehwatan.ps
مفوضية العلاقات الوطنية).
وأخيرا شهد شاهد من أهلها ها هو الراب
إسرائيل هيرش رئيس حركة ناطوري كارتا يلقي خطابا مطولا في مؤتمر القدس,
الذي عقد في الدوحة في السادس والعشرين من فبراير2012 يقول في بعض فقراته :
نحن اليهود الحقيقيين الفلسطينيين المؤمنين بالله وتوراته ، الذين لا يعترفون
بالدولة الصهيونية المخزية ، جئنا إلى هنا؛ كي نعبر عن الموقف الواضح للشعب اليهودي
الحقيقي تجاه الصهيونية الملعونة ، وعن تضامننا مع سكان القدس ، مسلمين ومسيحيين ويهود
؛ ولكي نوضح بما لا يدع مجالاً للشك معارضتنا الأكيدة للاحتلال الصهيوني للقدس ، والأهمية
الكبرى لإنهاء الاحتلال الصهيوني, نحن نعلن!! كفى للإرهاب الصهيوني! كفى للاحتلال البشع!
كفى للقتل! والتنكيل بإخواننا الفلسطينيين واليهود! كفى لمعاناة إخواننا الفلسطينيين
واليهود! نحن نصلى, ونتمنى اليوم الذي تعود فيه سيطرة الفلسطينيين الكاملة على الأرض
المقدسة كلها وعاصمتها القدس، وطرد الصهاينة من الأرض المقدسة بقوة الله، ونستطيع العيش
بسلام ومحبة مع إخواننا الفلسطينيين, تحت سيادة حكم فلسطيني واحد.
( حركة "ناطوري كارتا" وهي كلمة
آرامية معناها "حراس المدينة، تأسست عام 1935، على يد أجداد الحاخام "كسن
لن بورغن "والحاخام بلوي).
الخاتمة
تطلع الشعراء إلى القدس باعتبارها مدينة مقدسة، تشتمل
على كثير من أماكن العبادة للديانات الثلاث، وما لها من علاقة بالرسل والأنبياء، والأحداث
الدينية الهامة. لذا بكى الشعراء القدس بدرجات متفاوتة، فمنهم من بكاها بدموع باردة
على هامش الأحداث والمناسبات، ومنهم من بكاها بدموع حارة, كما صوروا ما حل بالمقدسات
من هوان وتدنيس، ونحوا باللائمة على أولي الأمر، ودعوا إلى التضامن ورفع راية الدين
عن طريق الجهاد، فشحذوا العزائم، وأثاروا الهمم، وذكَّرُوا بالأبطال المجاهدين, أمثال
عمر بن الخطاب، وخالد، والمعتصم، وصلاح الدين، وغيرهم, ونددوا بإحراق المسجد الأقصى,
ودعوا إلى الثأر والانتقام وتحرير المقدسات, وشارك الشعراء بوعيهم الشامل في صناعة
القصيدة التي يمتزج فيها الدين بالسياسة, والثقافة بالفكر، فاستلهموا رموزاً دينيةً
- لها علاقة بالقدس, كأسماء الأنبياء والرسل والأماكن والأحداث - يهودية، ومسيحية،
وإسلامية، كما ركزت معظم القصائد على بعض الرموز دون غيرها مثل عيسى، والصليب، والإسراء،
وصلاح الدين، وحطين، لما تمثله من تحمل للظلم والعذاب والتضحية كما في مريم وعيسى والصليب،
ولبيان أهمية القدس ومكانتها عند المسلمين كما في الإسراء، والتطلع إلى البطل المفتقد
في عصرنا, كما في صلاح الدين, بطل حطين, ومحرر القدس. كما تعامل
الشعراء مع التراث الديني اليهودي وهو الأكثر عمقاً وتأثيراً، إلى جانب استخدامهم للقصص
القرآني ذي الأصول المشتركة مع الديانات السماوية الأخرى, كما في الإشارة إلى قصة مريم،
وعذابات الصليب إلى غير ذلك.
وأخيرا للقدسِ - زهرةِ المدائنْ وعروسِ الأحلامْ وأقدسِ
المقدساتْ وأطهرِ بقاع هذا العالم التي نكأتها مُدى الباطل مغروسةً في ضميرِ الإنسانية
جمعاء- أقول :
عهداً علينا أن نظل
نجاهد في سبيلك بكل الوسائل وأولها الكلمة الشجاعة . حتى نعيدَك إِلى رحاب الوطنِ الكبير
جزءاً لا يتجزأ من وحدتِهِ الشاملةِ الكاملةِ . وكما قال الشاعر:
وَلْيَطُلْ فِي العِنَاِد
عُمْرُ الليالي كُلُّ لَيْلٍ
لَهُ مع الصبرِ آخرْ
فَاحْمِلِي يا مساجدَ
القدسِ جُرْحَاً في المَحَارِيبِ نَازِفَ العُمْقِِ فَاغِرْ
وَاصْبِرِي في البَلاءِ
صَبْرَ كَرِيمٍ مَا انْحَنَى هَامَةً
لِمُدْيَةِ جَازِرْ
وَاجْهَرِي يَا مَنَابِرَ
القدسِ بالحقِّ دُعَاءً كَالسَّيْفِ صَلْبَ المَبَاتِرْ
وَارْفَعِي شُعْلَةَ الجِهَادِ عَلى أَسْمَى
مَنَارٍ سَمَا بِأَهْدَى شَعَائِر
وَاثْبُتِي للخُطُوبِ
حَزْمَاً وَعَزْمَاً فَوَرَاءَ
الغُيُوبِ دَوَْرةُ
دَائِرْ
وَارْقُبِي يَا مَآذِنَ
الْقُدْسِ يَوْمَاً يَطْلَعُ
الْفَجْرُ مِنْ عُبُوسِ الدَّيَاجِرْ
فَغَدَاً تَكْشِفُ الليالي دُجَاهَا
وَتَتَجَلَّى
صُبْحَاً يُضِيءُ المَنَابِرْ
وَغَدَاً نَرْقُصُ الزَّمَانَ
انْتِصَارَاً وَنَزُفُّ
المُنَى بِعُرْسِ الْبَشَائِرْ
د. محمد فؤاد السلطان / أستاذ الأدب والنقد المشارك
مصادر ومراجع الفصل :
- القرآن الكريم .
- الحديث
الشريف-
صحيح البخاري - دار الكتب العلمية - بيروط - ط1
-1412- كتاب الصلاة باب (6).
1-
إبراهيم طوقان – ديوان إبراهيم طوقان – دار العودة – بيروت – ط 4 - 1988 .
2-
أحمد الطرابلسي: بين
الأدب القومي والأدب الإنساني-دار الكتب الوطنية -حلب 1952.
3-
أحمد المجاطي–ديوان الفروسية منشورات المجلس القومي للثقافة العربية-الرباط- 1987.
4-
أحمد بن علي المقريزي-السلوك لمعرفة دول الملوك – القاهرة – 1931 .
5-
أحمد عبد اللطيف جدع وحسني جرار – شعراء الدعوة الإسلامية-ج9-ط 1985 .
6-
أحمد فرح عقيلان–ديوان جرح الإباء منشورات نادي المدينة المنورة الأدبي- بلا
تاريخ.
7-
أحمد محرم – ديوان أحمد محرم –مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع - الأردن-ط1 -2008 .
8-
النويري- نهاية الأرب في فننون الأدب -ج1- دار الكتب العلمية – بيروت –ط1-2004.
9-
أمين شنار – قصيدة بيت المقدس مجلة الأفق الجديد- السنة الأولى- العدد السابع1962
10-
إيليا أبو ماضي- ديوان أبي ماضي – دار العودة بيروت 1982 .
11-
بدوي الجبل - ديوان بدوي الجبل- دار
العودة بيروت – 1995 .
12-
جوزيف عيد- الصلاة في أغاني فيروز – بيروت 1974 .
13-
حسن القرشي – ديوان لن يضيع الغد – المجلد الثاني- دار العودة بيروت-ط3-1983.
14-
خالد سليمان -فلسطين في الشعر العربي
الحديث - لندن – ط 1 -1982 .
15-
خليل مطران – ديوان الخليل – دار الهلال – 1949 .
16-
داود معلا – الطريق إلى القدس – عمان – ط 1984 .
17-زاهر
الألمعي –ديوان الألمعيات- مطابع الفرزدق التجارية-الرياض ط3 - 1403 هـ .
18-
سميح القاسم ديوان سميح القاسم- دار العودة -
بيروت – 1987 .
19-
سيد فرج راشد – القدس عربية إسلامية – دار المريخ للنشر – الرياض 1986 .
20–
شهاب الدين المقدسي المتوفى 665هـ- الروضتين ج 2 -دار الجليل –بيروت – 1974
21-
عبد الرحمن العشماوي – قصائد إلى لبنان – الرياض – بلا تاريخ .
22-
عبد العزيز المقالح – ديوان عبد العزيز المقالح – دار العودة بيروت –ط 1 -1977 .
23-
عبد المجيد القمودي – ديوان زغاريد في علبة صفيح – طرابلس ليبيا - ط1-1974.
24-
عدنان النحوي ديوان الأرض المباركة- منشورات الفرزدق التجارية- الرياض-1985.
25-
علي عبد السلام الفزاني – الأعمال الشعرية الكاملة- المجموعة الأولى – المنشأة
العامة للنشروالتوزيع - طرابلس ليبيا - ط
4 – 1983 .
26-
عمر أبو ريشة–ديوان عمر أبو ريشة-الجزء الأول- دار العودة- بيروت- ط1 -1971.
27-
فؤاد الخطيب – ديوان الخطيب - دار المعارف
– 1959 .
28-
كامل السوافيري- الشعر العربي الحديث في مأساة فلسطين -نهضة مصرالقاهرة 1963.
29-
كمال ناصر–ديوان كمال ناصر-المؤسسة العربية للدراسات والنشر-بيروت ط1-1974.
30-
محمد الفيتوري- ديوان محمد الفيتوري-المجلد الثاني-دار العودة- بيروت-ط3 -1979.
31-
محمد جميل شلش – ديوان محمد جميل شلش- دار العودة-بيروت-ط1-1978 .
32-
محمد فتوح أحمد- مجلة فصول –المجلد الأول-العدد الرابع-يوليو-1981قضاياالشعر .
33-
محمد مصطفى الماحي- ديوان الماحي –دار الفكر العربي 1957 .
34-
محمود الروسان – على درب الكفاح- مطبعة دار الأيتام – القدس – 1965 .
35-
محمود درويش – المجلد الأول – دار العودة- بيروت- ط 12 -1987 .
36- نزار قباني- الأعمال السياسية
الكاملة-مج3- منشورات نزارقباني–بيروت- ط 5-1993.
37- ياقوت الحموي- معجم الأدباء ج 7 – الطبعة الهندية بمصر – 1924.
*
هي
: سالومة ابنة هيروديا . رقصت أمام هيرودس فأعجب بها ومنحها رأس يوحنا المعمدان .
*
هكذا
وردت في الديوان مكتوبة بهمزة قطع بدلاً من همزة الوصل . ربما اضطره الوزن لذلك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق