الاتجاه
الرومنسي فى شعر إبراهيم طوقان
يدور البحث حول محورين أساسيين أولاهما:
أسباب تأثر الشاعر بالرومانسية كالجانب النفسي الذي يتعلق بحياة بلاده العامة فى
ظل احتلال بريطاني واستيطان صهيوني، وحياة الشاعر الخاصة كالشعور بالتفوق والتميز،
وكثرة العقبات التي مر بها كالمرض وإخفاقه فى الحب، ويقظة الإحساس وصغر سنه.
ثانيهما: معالم الرومانسية فى شعره
كالقلق والخوف من المجهول، والثورة على التقليد، والتأمل، والتدين والحنين واللجوء
إلى الطبيعة والحب فى شعره.
Romantic Trend in Ibrahim
Tougan’s Poetry
The paper revolves
around to basic issues: First, why does the poet get affected by romanticism
like the psychological dimension which is related to his country's life under
the British occupation and Zionist settlement policy?. Furthermore, this paper
tries to trace reasons of his romantic poetry to his personal life like feelings
of superiority, obstacles faced by him like disease, failing in love, emotional
revival and his young age. Second, it foregrounds features of romanticism in
his poetry like fear of unknown, revolt against traditions, mediation, yearning
and resorting to nature and love in his poetry.
D.M.Fouad El Sultan: Associate Professor in
literature and criticism, Faculty of Arts and Human Sciences, Al – Aqsa University .
المقدمة:
تكمن أهمية هذا البحث فى أهمية موضوعه
وأهمية المرحلة التي يمثلها من تاريخ فلسطين فقد أجمع كثير من النقاد المعاصرين
وفي مقدمتهم الدكتور إحسان عباس على أن إبراهيم طوقان أكبر شاعر أنجبته فلسطين
أواخر العقد الرابع من القرن العشرين.
وتقول فدوى طوقان عن أخيها إبراهيم:" ما
كان إبراهيم ليفوز بلقب شاعر الوطن وشاعر فلسطين لو لم يسجل قضية بلاده فى شعره القوي، ولو لم تنعكس فى ذلك الشعر أصدق
صورة لهذا الوطن فى هذا العهد " .
وحقا كان إبراهيم زنبقة من زنابق فلسطين
هبت عليها نسمات الفجر الندية، فتفتحت أكمامها، وعبق عبيرها، فإذا بها تملأ القلوب
والنفوس والدنيا شعراً أو سحراً. فما من قصيدة ولا مقطوعة شعرية إلا وتشعر إنها
فلذة من فلذات قلبه، وقطرة من قطرات دمه النقي، وصورة صافية لنفسه وبالرغم من قصر
حياته فما ترك غصناً من أغصان الروح إللَّ شدا
عليه، ولكن البلبل الصداح الذي أحب وطنه وشذا له أعذب غناء، وأحبه الوطن، لم يأخذ
حقه من البحث والدراسة من أبناء هذا الوطن عدا نفر قليل من هؤلاء أخته فدوى طوقان
التي كتبت عنه فى مقدمة ديوانه بعنوان "أخي إبراهيم" والأستاذ الدكتور إحسان عباس وبعض الباحثين
منهم وليد صادق جرار الذى كتب أطروحة بعنوان "شاعران من جبل النار"
نشرها فى كتاب فى عمان عام 1985م، قام الأستاذ المتوكل طه فى قلقيلية بفلسطين بعمل
مجموعة دراسات حول الشاعر منها " الساخر والجسد" عام 1992،
و"الكنوز" 1999م، نشرتها دار الشروق بعمان الأردن، فارتأيت من واجبي
كباحث أن أجيب عن سؤال لم يتطرق إليه الباحثون من قبل وهو ما الاتجاه الذي يغلب
على شعر إبراهيم طوقان وعلى الرغم من قلة المراجع حول هذا الموضوع أتمنى أن أكون
قد وفقت فى الإجابة
عن هذا السؤال.
علما أنني اتبعت المنهج التكاملي فى هذا
البحث. وقد قسمت بحثي إلى فصلين مسبوقين بمقدمة وتمهيد ومنتهيين بخاتمة.
جاء الفصل الأول تحت عنوان :"
أسباب تأثر الشاعر بالرومانسية".
تناولت فيه الجانب النفسي من حياة
الشاعر العامة والخاصة من الشعور بالتفوق والامتياز إلى كثرة الصدمات التى واجهته
كالمرض وإخفاقه فى الحب، إلى يقظة الإحساس، إلى صغر السن وقصر حياته.
وحمل الفصل الثاني عنوان:" معالم
الرومانسية فى شعره".
تناولت
فيه قلق الشاعر والخوف من المجهول، والثورة على التقليد، والتأمل، والتدين،
والحنين إلى ذكريات الماضي، والحب فى شعره، وميله إلى الطبيعة بكل ما فيها.
وركزت فى الخاتمة على أهم نتائج البحث. ثم أنهيت البحث بقائمة بأسماء
أهم المصادر
والمراجع التي استعنت بها فى هذا البحث.
تمهيد:
ولد الشاعر إبراهيم طوقان عام 1905
بمدينة نابلس أما عن تعليمه ودراسته فقد بدأ أبوه بإدخاله المدرسة الرشادية
الغربية فى مدينة نابلس وهو فى التاسعة من عمره فأكثر من حفظ القرآن والتأمل فيه
والاحتفاء به.
حيث تلقى دروسه الابتدائية التى تنهج فى تعليم اللغة العربية منهجاً حديثاً، بفضل
بعض المدرسين النابلسيين الذين تخرجوا فى الأزهر،
وتأثروا بالحركة الشعرية والأدبية فى مصر, ثم انتقل على إثر الاحتلال الإنجليزي
مباشرة إلى مدرسة المطران فى القدس، حيث تتلمذ على يد أستاذه نخلة زريق. أما عن
إنتاجه الأدبي والشعري، فالحقيقة أن فى حياته قصيرة الأمد استطاع أن ينتج الكثير
مما يدل على عبقريته المبكرة وامتيازه الأصيل، حيث نشر إبراهيم لأول مرة إحدى قصائده فى سنة 1923م، بعد أن أنهى
تحصيله فى مدرسة المطران، وانتقل إلى الجامعة الأمريكية فى بيروت، وفي عام 1924م،
مرض إبراهيم وأدخل إلى المستشفى، وفى أثناء مرضه، نظم قصيدة (ملائكة الرحمة) التى
وضعته على أول طريق الشعر والشعراء، أما عن قراءاته فقد كان واسع الاطلاع، قرأ فى
الآداب العربية القديمة والآداب العربية
الحديثة، والآداب الأجنبية المترجمة، وتأثر بكل هذه القراءات، واختار منها ما
يوافق ميوله ورغباته، فمن تأثره بالقديم نجده يتأثر بالشعراء العظماء, الذين ظهرت
شخصياتهم واضحة فى أشعارهم كالمتنبي والعباس بن الأحنف ومن تأثره بشعراء العصر
الحديث نجده تأثر بشوقي وحافظ، كما تأثر ببشارة الخوري، ومطران وغيرهم، وكذلك
تأثره بشعراء الغرب أمثال المستشرق (لويس نيكل البوهيمي) والحقيقة أن الشاعر قد
قرأ لكل هؤلاء، وأعجب بهم، ومن خلال هذه القراءة تكونت ثقافته الشعرية, لكنه لم
يكن تلميذاً لأحدهم بالذات، كما أنه لم يتأثر بأحد منهم تأثراً مباشراً قدر ما
تأثر بطبعه الخاص وعبقريته الفريدة المتميزة، وروحه الثائرة الحساسة، وصراعه
الدائم مع المرض، وكل ما شقيت به حياته كفلسطيني مع الاستعمار والخونة والسماسرة.
وقد استطاع أن يبين هنا بشعره المتميز المستقل الذي عبر به عن أحاسيسه ووجدانه
المرهفين.
كل هذا نلمحه فى شعره وإنتاجه الكثير،
وهو فى هذه السن المبكرة من حياته القصيرة التى لم تتعد الخمسة والثلاثين عاماً.
وفى مساء يوم الجمعة الثاني من شهر مايو سنة 1941م أسند إبراهيم رأسه إلى صدر أمه
وقد نزف دمه وخارت قواه وهناك أسلم روحه الطاهرة إلى بارئه واستراح إلى الأبد وهو
مازال فى ميعة الشباب أبد الدهر تاركاً ولدين
جعفر وعريب وأمهما, أرملته سامية عبد الهادي، مات شاعرنا فى زهرة العمر لكي يعيش
فى قلوب الفلسطينيين.
الفصل
الأول
أسباب
تأثر الشاعر بالرومانسية
تستند الرومانسية إلى جانبين أساسيين
هما الجانب الموضوعي، والجانب النفسي، حيث يتميز الجانب الموضوعي بالخروج على
التقاليد الكلاسيكية السائدة، وهذا يستطيعه كل شاعر.
أما بخصوص الجانب النفسي، فهو يتعلق
بالأديب نفسه وظروف حياته العامة والخاصة التى تجعله يصاب أدبه بمرض العصر بالشكوى
والقلق والحنين، وتجعله يمل هذه الحياة، ويفر منها إلى حياة أكثر مثالية، وهذا ما
لا يتوفر لكل أديب، وذلك لأن هذا يحتاج بيئة خاصة لإنباته، لا إلى قواعد تحدده،
وفي مقدمة ذلك الاستعداد النفسي عند الشاعر لتقبل الاتجاه الرومانسي، هذا بالإضافة
إلى ظروف الحياة الخاصة والعامة التى تجعل الشاعر يستجيب ويتأثر بها.
من هنا كانت حياة شاعرنا الخاصة وحياة
بلاده – فلسطين – العامة، هي التي جعلته يستجيب لهذا التيار، ويسير سيره ويتأثر به
لأنه وجد فيه تحقيقاً لآماله وأحلامه وتعبيراً عن آلامه وأحزانه.
أولاً:
حياة بلاده العامة:
لم تكتمل فرحة العرب بالوعود التي
قطعتها بريطانيا للعرب مقابل ثورتهم على الأتراك، وذلك بمنح اليهود وعد بلفور سنة
1917، القاضي بإقامة وطن قومي لليهود فى فلسطين، وهنا جن جنون الفلسطينيين، وهبوا
يناضلون ضد الاستعمار البريطاني والاستيطان الصهيوني، واكتملت المؤامرة على فلسطين
فى سنة 1922 بعد أن صدر قرار من عصبة الأمم بوضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني,
فلم يقبل الشعب الفلسطيني هذا، وقامت الثورات، وعقدت المؤتمرات، ونصبت المشانق،
واكفهر الجو، وأهدرت الكرامة الشخصية والوطنية، بما كانت تسنه من قوانين ظالمة بحق
الفلسطينيين، فى الوقت الذي كانت تسمح وتسهل هجرة الصهاينة
من كل أصقاع الدنيا إلى فلسطين.
وقد شهد شاعرنا ضروب هذا الاضطهاد الذي
ألقي فى نفسه الألم والحزن، ,قد عبر عن هذا بنظم العديد من القصائد الوطنية التي
تركت آثارها فى نفوس أبناء فلسطين وفتحت عيونهم على حقائق كثيرة، وشحنتهم بالعزم
والقوة للوقوف فى وجه الغزاة والتصدي لهم بكل ما ملكت أيديهم. فى شهر آب سنة 1929،
خاضت فلسطين غمار انتفاضة عارمة نشبت فى القدس فيما سمي ثورة البراق نسبة إلى حائط
البراق الذي حاول اليهود السيطرة عليه تحت ظل الحماية البريطانية، وسرعان ما امتدت
الانتفاضة إلى مختلف أنحاء البلاد الفلسطينية والبلدان العربية المجاورة، وقد قابل
الاستعمار البريطاني هذه الانتفاضة بالبطش العنيف، فحكم على حوالي 800 عربي بالسجن
سنوات عدة، وحكم على عشرين شخصاً بالإعدام، ثم خفف هذا الحكم إلى السجن المؤبد عدا
ثلاثة منهم هم فؤاد حجازي، وعطا الزير ومحمد جمجوم الذين نفذ فيهم حكم الإعدام
شنقاً فى سجن عكا فى 17/6/1930 م وهاج الرأي العام لإعدامهم وانفجرت حملة استنكار انتظمت البلاد من أقصاها إلى أقصاها.
"وفي
حفلة أقيمت بمدرسة النجاح فى نابلس- ولم يكن قد مضى على تنفيذ حكم الإعدام بهم
أكثر من عشرة أيام – وقف الشاعر إبراهيم طوقان ليلقي قصيدته " الثلاثاء
الحمراء" التي ذهل عن الجمهور وهو يلقيها، وشعر
كأنما خرج من لحمه ودمه، فما انتهى حتى كان بكاء الناس يعلو نشيجه" [ الأعمال
الشعرية الكاملة – إبراهيم طوقان – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – ط2 –
1993 – ص- 140].
فكانت
القصيدة لاهبة طافحة بالحماس تفوح منها رائحة الإيمان, فقال فيها مخاطباً ذلك اليوم الأسود:
لما تعرض نجمك المنحوس وترنحت بعرى الحبال رؤوسُ
ناح الآذان وأعول الناقوس فالليـل أكدر والنهـار عبوس
وبعد
ذلك أراد الشاعر أن يؤكد هول ذلك اليوم، فقارنه بجميع أيام الظلم السالفة، فلم يكن
بينها ما يحاكيه.
يوم أطل على العصور
الخالية ودعا : أمَّر على الورى
أمثاليه.
ثم ينتقل الشاعر إلى وصف الساعات الثلاث
الرهيبة التى نفذ فيها حكم الإعدام بالشهداء الثلاثة؛ حيث خصصت لكل منهم ساعة،
وكان مقرراً أن يعدم محمد جمجوم فى الساعة الثانية بعد فؤاد حجازي ؛ لكنه حطم قيده
وزاحم رفيقه على الدور الأول ففاز به.
فصور الشاعر هذه الساعات الثلاث فى أصدق
تصوير، وقد قسم قصيدته إلى ثلاثة أقسام، صور القسم الأول اليوم الرهيب الذي صلب
فيه الأبطال الثلاثة، وصور فى القسم الثاني الساعات الثلاث, تتكلم كل واحدة عن
صاحبها، ثم صور فى القسم الثالث الخاتمة الفريدة فى قوتها وعاطفتها التى أنهى بها
القصيدة:
أجسادهم فى تربة
الأوطان أرواحهم فى جنة الرضوان
ولقد كان الشاعر - في أحيان كثيرة – ثورة عاتية على المستعمر
والرجعية، بل وعلى الخونة والسماسرة والقادة من أبناء الشعب الفلسطيني الذين
يساندون العدو فى مخططه، فنراه يقف فى وجههم صائحاً بقوله فى قصيدة بعنوان "
يا سراة البلاد": [الأعمال الكاملة ،ص 58].:
يا سراة البلاد يكفـي البلادا ما
أذاب القلـوب والأكبـادا
انتداب أحد من شفرة السيف وأورى من المنـايا زنــادا
وعد
بلـفور دكهـا فلماذا تجعلون الأنقاض منها رمـادا
وهناك قصائد عديدة تناول فيها الشاعر
هذا الموضوع منها، قصيدة:" تفاؤل وأمل" [الأعمال الكاملة ص 89], وقصيدة "
إلى بائعي البلاد" [ الأعمال الكاملة ص 110]، وقصيدة "فلسطين مهد
الشهداء" [الأعمال الكاملة، ص 200]، وقصيدة السماسرة" [ الأعمال الكاملة
، ص 212]، وقصيدة " أيها الأقوياء" [الأعمال الكاملة ص 213]، وقصيدة
"زيادة الطين" [الأعمال الكاملة ص214]، وقصيدة " إلى ثقيل" [
الأعمال الكاملة، ص215]، وقصيدة "نعمة" [الأعمال الكاملة،ص223].
ويثور الشاعر على شعبه ثورة حادة فى
قصيدة " يا قوم"، [ الأعمال الكاملة، ص209] يقول:
يا قوم هزلت قضيتكم فلا لحم هناك ولا دم
يا قـوم لـيس أمامـكم إلا الجلاء فحزموا
ولم تقف رغبة الشاعر فى التغيير عند
الثورة على الاستعمار والخونة من أفراد الشعب الفلسطيني وإنما تعدتها إلى إبراز
الأمراض الاجتماعية التي يعاني منها الوطن، وذلك بتصوير أحوال الساسة والأحزاب فى
عديد من القصائد منها قصيدة "غايتي" [ الأعمال الكاملة ، ص217] التي
يقول في مطلعها:
إن قلبي لبلادي لا لحزب أو زعيم
وقصيدة "رثاء نافع العبوش"
[الأعمال الكاملة ، ص 124]، وقصيدة "اشتروا الأرض تشتريكم من الضيم"،
[الأعمال الكاملة، ص185]، وقصيدة "أنتم" [الأعمال الكاملة،ص 219]،
وقصيدة "لمن الربيع" [الأعمال الكاملة ،ص 220]، وقصيدة
"القدس" [الأعمال الكاملة، ص 227].
فالشاعر في هذه القصائد يعطى صورة منفرة
لحياة الأحزاب السياسية وقادتها فى فلسطين، صورة مملوءة بالمخازي، ولكنها صورة
صادقة, يجب أن يطلع عليها الشعب حتى يعرف حقيقة نفسه, وحقيقة هؤلاء الناس الذين
يخدعونه. والجدير بالذكر أن هذه الصور المشوهة, التي رسمها الشاعر للذين يساندون
الاستعمار فى مخططاته, سواء كانوا يدرون, أو لا يدرون لم تكن صادرة إلا
عن حب صادق لهذا الوطن، ليدفع شعبه دفعاً كي يثور فى جرأة، ويتصدى لهؤلاء
المتسلقين على أكتاف الوطن.
ثانياً: حياة الشاعر الخاصة:
يلاحظ أن القوم
فى فلسطين – وفي مقدمتهم شاعرنا – كانوا "يعنون بتتبع الحركة الأدبية فى
الغرب، ولكن الخطر السياسي الذي يهددهم، يحملهم إلى الحرص الشديد على صبغتهم
العربية، ويحميهم – فى فاتحة نهضتهم الأدبية – من أن تجربتهم الثقافية الغربية لن تنسيهم أصولهم".
[الكنوز – المتوكل طه - دار الشروق - عمان – 1999 – ط1 – ص 327]
وعندما نتأمل
حياة إبراهيم طوقان، نجد أن هناك سمات عدة كان لها أكبر الأثر فى حياته، بصفة عامة
وفي شعره على وجه الخصوص، يمكن أن نلخص هذه السمات فيما يأتي:
1- الشعور بالتفوق
والامتياز:
كان إبراهيم يشعر بمرارة
لأنه كان يحس بالغربة والوحدة بين أفراد شعبه، فقد كان مجدداً متوثب الفكر والروح
وسط عقول محافظة جامدة متعلقة بالقديم.
كان طموحاً إلى الحرية والانطلاق وسط شعب سحقته التقاليد
القديمة، وأفسدت روحه أنظمة الحكم الاستعمارية، كان يشعر بغربة الإنسان الموهوب
الذي سبق عصره، وحمل فى قلبه وعقله صورة مستقبل وطنه المهدد بالضياع, الذي لم يكن
يستطيع الكثير من الناس تصوره فى ذلك الحين.
فقد قال عنه أنور العطار فى صحيفة القبس فى الصفحة
الأدبية: "طوقان شاعر موهوب رقيق الحس، والفكرة عميقة مختمره، تكشف له كلما
رجعت إليه صورة جديدة، ويستهويك اللفظ، فتستعيده، فيترك فى نفسك من الأنغام
الساحرة، شبيه ما يتركه غناء البلبل وقد عبر شاعرنا عن شعوره هذا خير تعبير, في
كثير من إنتاجه نذكر منه على سبيل المثال
قصيدته"عارضي نوحي بسجع"[الأعمال الكاملة، ص 54]، التي يقول فيها:
خطرت بالأمس ريح
صرصرٌ
فالتوى غصن
شبابي الأخضر
ورأيت الزهر
عنه ينثر
مثلما
ينثر دمعي
يا شبابي أنت
أحرى بدمي
لا بدمعي أو
شكايات فمي
خل عني فصحابي
لوّمي
ملأوا
باللوم سمعي
وكذلك قصيدته
"يا موطني" [ الأعمال الكاملة، ص 56] التي يقول فيها:
خطر المسا
بوشاحه المتّـلون بين الربى يهب
الكرى للأعين
وتلمس الزهر
الحييّ فأطرقت أجفانه شـأن المحـب
المذعن
2- كثرة
الصدمات التى واجهته:
أ. مرضه:
يقول
إبراهيم:" إن المرض كالعمر والرزق والتوفيق والفشل، وأنا من بين إخوتي
الباقين (وعددهم تسعة) حملت بى الوالدة أم أحمد، إثر مرض خطير كان أشرف بها على
الموت، فكنت أنا فى أحشائها، عندما كانت هي فى دور النقاهة. وأعضاء جسمها وقوتها
بوجه العموم ضعيفة مركباً على مرض وضعف. [شاعران معاصران – عمر فروخ 1954- ص17،
ص18]
بهذا نكون على
يقين من أن الأمراض التى أصابت إبراهيم، وهو صمم فى أذنه، وقرحة فى معدته ثم استعداد فى أمعائه لأنواع الالتهاب، كانت تشكل كابوساً
يلاحق إبراهيم فى حله وترحاله، وعرضته غير مرة لقطع دراسته، والعودة إلى
المشفى, أو عائقاً أمامه لمواصلة أعماله, كما كانت سبباً وراء بعض قصائده
"كملائكة الرحمة" [الأعمال الكاملة، ص49]،" بينى وبين الناس"
[ الأعمال الكاملة، ص167]، "الدم الخفيف" [ص174]، "نعمة
العافية"[178]،"إلى الممرضة الروسية" [ص229].
ولقد غصت رسائل
إبراهيم التى بعث بها إلى صديقه فروخ بحكايا مرضه التى لا تنتهى ... كما قال فى
رسالة له:
من طبيب إلى
طبيب فقبحاً لحياة على الأطباء وقف
[الساخر والجسد – المتوكل طه – دار اللوتس – عمان – ط1: ص55]
وفي رسالة
لاحقة قال: "أصبح الطعام الآن، لا يستقر فى المعدة وقتاً كافياً لهضمه".
وفى
موقع آخر يقول:" والذي يطبق على الأرنب والفأر والضفدعة، لا بأس من أن
يطبق على إبراهيم طوقان".
ولم يتزوج
إبراهيم باكراً، وذلك راجع إلى حالته الصحية السيئة وقواه المنهكة، "ولعل إبراهيم كان يشعر قرب أجله وانقضاء عمره،
بسبب هذا التراكم المرضى الذى عبر عنه فى العديد من قصائده، وصدق حدسه عندما قال:
* أرى الثلاثين
ستعدو بَيـهْ مغيرةٌ
أفراسُـها فى اقتـرابْ
* وبعدَ عشر
يلتوي عوديَـهْ وينضب الزيتُ ويخبو الشهابْ
[ الأعمال الكاملة:
ص165]
إذ كان عمره
يوم نظم هذه القصيدة سبعاً وعشرون سنة، وبعد تسع سنوات (لاعشر) أدركته
منيته".
[الساخر والجسد – المتوكل طه –
ص 56]
لقد تألم شاعرنا لمرضه مبكراً فى بداية
شبابه، حيث بدأت شاعريته تتفتح، وتمتلىء لتنبثق عن معينها، فنظم قصديته
"ملائكة الرحمة " [ الأعمال الكاملة: ص49] وهو نزيل المستشفى 1924ضمنها عبير امتنانه للمرضات اللاتي قمن على خدمته خلال
مرضه، وقد كانت أول قصيدة لفتت الأنظار إليه، بعد أن نشرها فى جريدة
"المعرض" التى كانت تصدر يومئذ فى بيروت، ونشرت هذه القصيدة في أكثر من
مجلة منها مجلة سركيس التى علقت عليها بالقول: "ولعله من أول من نظم شعراً
عربياً فى هذا الموضوع"، وكذلك مجلة التمدن فى الأرجنتين التى علقت على القصيدة بقولها:" لو كان كل ما
ينظمه شعراؤنا فى هذا الباب من هذا النوع، لكان الشعر العربى فى درجة عالية من
القوة والفتوة". [ الكنوز – المتوكل طه – ص
318]
ومن أبيات هذه القصيدة:
بِيضُ
الحَمَائِـمِ حَسْبُهُنَّهْ
أَنِّي أُرَدِّدُ
سَجْعَهُنَّـهْ
رَمْـزُ
السَّلاَمَـةِ
وَالوَدَا
عَةِ مُنْذُ بَدْءِ الخَلْقِ هُنَّـهْ
المُحْسِنَـاتُ
إلى المريـضِ
غَدَوْنَ
أشباهـاً لَهُنَّـهْ
يَشْفـي
العليـلَ غناؤُهُـنَّ
وعَطْفُهُـنَّ
ولُطْفُهُنَّـهْ
ب-
إخفاقه فى الحب:
فشاعرنا هو نفسه قصة شعرية محزنة فلقد
أحب العديد من الفتيات والنساء لكنه لم يوفق فى حبه، وهو ما يذكرنا بقصة الشاعر
الفرنسى الخالد (موسه) فلقد أحب وهو يدرس فى الجامعة الأمريكية في بيروت فتاة
فلسطينية كانت هناك، وأخذ يستلهم من روحها أشعاره الشجية البارعة، ويصوغ من جمالها
عالمة المحسوس الموشى بما فى ألف ليلة وليلة من
صور وألوان، ثم عاد إلى نابلس، بعد أن أحرز الشهادة العالية فى قسم الآداب، وعادت
هي إلى بلدها، فلم يمضِ وقت قليل، حتى زوجت من قريب لها، فأوجع الشاعر هذا النبأ
وأشجاه أن يستلب منه هذا الحلم الفاتن الذى نضَّره
وزينه، وخلع عليه أحلى الأماني، فتصدع قلبه، وانجرح، وتمشى إليه الألم يجز فى نفسه
جزاً، وتفتحت شاعريته كما تتفتح أزرار الورد فى حقول الربيع، فتترع الأجواء عبقاُ
عطراً، وأبت روحه الشاعرة إلا أن تمتد بألمها وتباهى بانكسارها، واقتات بالذكريات
وغنى فسكب نفسه فى شعره. فلنستمع إليه يقول:
من
قصيدته " ناشدتك الإسلام إلى فوز"[ الأعمال الشعرية الكاملة، ص232]:
يا فوز ويلى منك
قاسية عذَّبتنى ظلماً، كفى ما
بـيهْ
أراك فى اليوم ثلاثاً
ولا أنالُ إلاَّ النظـرة
الجافـيهْ
ولم
يك حظه مع ذات السوار بأحسن منه مع فوز، لنستمع
إله فى قصيدته "إلى ذات السوار" [الأعمال الشعرية الكاملة، ص233] يقول:
هبيني لا أسميك ولا أظهر حُبّيكِ
وتلقي بيننا الحجب فأحيالا
ألاقيكِ
وهذه محبوبة رابعة تضن عليه حتى الرضا،
فما بالك باللقاء، هذا باعتراف شاعرنا نفسه فى قصيدته "بلا عنوان" [
الأعمال الشعرية الكاملة،ص241] يقول فى مطلعها:
لم تزل تهجرني منذ سنين ليتني أنعم يوما برضاكْ
وهناك العديد من القصائد التى تدور حول
هذا المعنى منها قصيدة "فى المكتبة" [الأعمال الكاملة، ص69] ، وقصيدة
"عند شباكي" [الأعمال الكاملة، ص67]، وقصيدة "سلام
عليك"[الأعمال الكاملة، ص71]، وقصيدة " نزيهة" [الأعمال الكاملة، ص
74]، وقصيدة "معين الجمال" [ الأعمال الكاملة، ص81]، وقصيدة "منديل
حسناء" [الأعمال الكاملة،ص 87]، وقصيدة "حيرة" [الأعمال الكاملة،
ص98]، وقصيدة "وحي رسالة" [الأعمال الكاملة، ص103]، وقصيدة
"وداعاً" [الأعمال الكاملة، ص107].
3.
يقظة الإحساس:
بعض الناس يعرفون منذ نشأتهم الأولى
برهافة الحس وسرعة الانفعال، وحدة الشعور، لا تمر الكلمة العابرة أو الإشارة
الخاطفة على مشاعرهم المرهفة حتى تحدث فيهم أثراً فترضيهم أو تسخطهم، وتفرحهم أو
تحزنهم، تشرح صدورهم أو تبعث فيهم الانقباض والكآبة، وهؤلاء لا يستطيعون أن يعيشوا
على هامش الحياة، أو يتخلوا فى سهولة ويسرعن مشاركة الناس آلامهم وآمالهم، ومآسيهم
ومباهجهم، يعنون بكل ما يقال، ويشعرون مع الشاعرين ومن هذا النوع كان شاعرنا
إبراهيم طوقان، فهو نموذج حي للإحساس المرهف والشعور الرقيق الذى ظهر واضحاً فى
شعره منذ بداياته الأولى بعد أن كتب قصيدته "ملائكة الرحمة" التى قال
عنها الأستاذ أسطفان فى تقديمه للقصيدة: " والقصيدة فى رأينا ألطف ما وصلت
إليه قرائح الشعراء فى هذا الباب فهي من السهل الممتنع فى رقة معانيها ولطف
قافيتها، وسمو خيالها، وجمال ما فيها من الوصف". [الكنور – المتوكل طه – ص
335]
وتعلق شقيقته فدوى على هذه القصيدة
فتقول:" أما هذه القصيدة فهي وإن تكن قد قيلت فى وصف
الممرضات، غير أن قسماً كبيراً منها كان فى وصف الحمام، تلك الطيور الوديعة
التى كان يغرم بها ويعنى باقتنائها وتربيتها أيام صباه". [الكنوز – المتوكل
طه – ص315]
ولقد
كانت هذه الحساسية المسرفة سبباً مهماً فى مضاعفة آلام شاعرنا وأحزانه، وبعث الانقباض
والكآبة فى نفسه، إذ كان ينفعل بكل ما يمر به من أحداث انفعالاً عنيفاً، ويحس بكل
ما فى الكون من متناقضات الحياة إحساساً عميقاً، يساوي أضعاف ما يحسة الإنسان
العادي فى مثل هذه الظروف، فالحياة لمن يتأملها ويتعمق التدقيق فى كنهها، ليست إلا
سلسلة من المتناقضات وألواناً من المتاعب، لا تزيد المتأمل فيها إلا سخطاً عليها.
وقد عبر عن هذا فى كثير من قصائده منها: " ملائكة الرحمة" [ص46]،
و" عارضى نوحي بسجع" [ص54]، "سر الخلود" [ص 79]، و"معين الجمال" [ص81]،
" حملتنى نحو الحمى أشجاني" [ص83]، "الزهرتان والشاعر"
[ص106]، " مناجاة وردة" [ص138], "الحبشي الذبيح"[ص150]،
"الشاعر المعلم" [ص176]، "مصرع بلبل" [ص203].
4.
صغر السن:
لقد نظم شاعرنا قصائده فى مرحلة مبكرة
من شبابه التى يطغى فيها الخيال، ويشتد جناحه فقد بدأ بنظم الشعر، وهو طالب فى
مدرسة المطران، بما يوحي به الجو المدرسي من جد وهزل وتحليقاً فى السماء عندما لا
تلين لهم الحياة، وتسلس قيادتها لرغباتهم الحارة الملهوفة.
ففى سنة 1923 نشر إبراهيم لأول مرة إحدى
قصائده, وهو لا يتجاوز الثامنة عشرة؛ حيث يقول بهذا الشأن:" لعلها أول قصيدة
نشرت لي فى صحيفة. رحم الله عمى الحاج حافظ!
قرأها، فأبدى إعجابه بها – على سبيل التشجيع -
وطلب إليّ أن أبيضها، لينشرها فى الجريدة، فأسرعت إلى تلبية طلبه، وعنيت
بكتابتها قيراطاً، وبوضع اسمى تحتها ثلاثة وعشرين قيراطاً". [الأعمال
الكاملة، ص18]
فالشباب فى هذه المرحلة يستجيبون للخيال
تحقيقاً لآمالهم العريضة التى لا سبيل إلى تحقيقها فى دنيا الواقع، فإذا انتبهوا
من أحلامهم، واصطدموا بالواقع الأرضي البغيض زاد ألمهم وحزنهم، وارتفعوا عنه مرة
أخرى على أجنحة الخيال، وهكذا ظل شاعرنا الشاب محلقاً ما بين الواقع والمثال، كما
يعيش الرومانسي تماماً، وذلك لأن الرومانسية بصفة عامة أقرب إلى أرواح المراهقين،
بما يحيط بها من غموض محبب وكآبة لذيذة، وخيال وقاد، وقد استجاب شاعرنا لمشاعر تلك
المرحلة فى حياته، فهو يرى سعادته فى الطبيعة الجميلة التى كساها الربيع وجبل
عيبال بمدينة نابلس الذى اكتسى بالخضرة والحسن والجمال، يقول فى قصيدة
بعنوان:" يا موطني" [الأعمال الكاملة، ص56]، ألقيت فى حفل توزيع
الشهادات فى مدرسة النجاح النابلسية:
خطر المسـا بوشاحه المـتلون بين الربى يهب الكرى للأعين
وتلمـس الزهر الحَّيي فأطرقت
أجفانه شأن المحب المذعـن
ودعا الطيور إلى المبيت
فرفرت فوق الوكون لها لحون الأرغن
وتسللت نسمــاته فى إثــره فإذا الغصون بها ترنح
مدمن
آمال أيام الربــيع جمــيعها حسن (وعيبال) اكتسى بالأحسن
جبل له بين الضلــوع صبابة كادت تحول
إلى سقام مزمن
وتفجرت شــعراً بقلبي دافقــاً فسكبت صافية ليشرب موطني
فى أقل من عقدين من حياته الشعرية نظم
شاعرنا كلَّ إنتاجه الغزير، فقد واتته المنية وهو لم يكمل السادسة والثلاثين من
عمره. تلك المرحلة التى اجتمعت فيها تلك العوامل حيال بلاده بما فيها من استعمار
واستيطان وكبت للحريات، إلى رجعية وفقر وتخلف اجتماعي واضطراب سياسي، إلى جانب
حياته الخاصة، وما فيها من إحساس بالذات وكثرة العقبات والمعاناة حيال ما ألم به
من مرض لم يفارقه طويلاً، إضافة إلى حدة الشعور ومرحلة الشباب، كل هذا العوامل
مجتمعة كانت سبباً فى ألمه وبؤسه ومعاناته.
فهو يصور ذلك فى
قصيدته "عيناي مطبقتان" [الأعمال الكاملة ، ص 59] كما يراها ويحسها
بقلبه الذي أثقلته الأحداث وأضنته الغربة، يقول:
القلب متصل الوجيف تكاد تلفظه ضلوعي
والليل لم يهب الكرى لكن حباني بالدموع
والصبح فى مهوىً سحيق لا يبشر بالطلوع
والكون نائم والفكر هائم
إلى أن يقول:
عبثاً أخفف عن فؤاد لا يقر له قرار
عبثاً أعلله بلقياها وقد شط المزار
حذرته حباً عواقبه اللواعج والدمار
لله قلب أغواه
حبٌّ
فإذا به جم العثار ويستجير ولا يجار
الفصل
الثاني
معالم
الرومانسية فى شعره
أولاً:
القلق والخوف من المجهول
وقد كان نتيجه ذلك الإحساس بتعاسة
الحياة وتفاهتها، وبعد أن أطبقت عليه المتاعب والهموم وهو فى مقتبل العمر، ولم
تبتسم له الحياة لا فى الصحة ولا فى الحب، بل جلبت له الأسى والألم ولا شك أنه كان
يحب الحياة ويريدها مثالية سعيدة، فلما تعذرت عليه حزن عليها، وكره حياته، وقد عبر
عن هذا بطريقته الخاصة، فقد كان يرى الموت شبحاً عميقاً يطارده فى حياته فى حله
وترحاله، لا سبيل للخلاص منه.
وفى ضوء ذلك، يمكننا القول بأن ظهور
فكرة مزج الحب بالموت, والرغبة فيه التى لاحظناها فى أشعاره, كان نتيجة للكره
الشديد للموت والخوف منه وشدة تعلقه بالحياة.
إن فكرة مزج الموت والحب فى الأدب فكرة
قديمة لعلها بدأت مع بواكير النتاج العالمى الخالد كما
فى تراجيديتات (هاملت) الشهرة، (روميو وجوليت).
ولا
يفوتنا أن نشير إلى أن العهد القديم قد عرض كثيراً من قصص العشق والموت، كما فى
قصته الملك داوود عليه السلام. [أنظر العهد القديم – الكتاب المقدس ، ص498 ا].
وإذا ما رجعنا إلى ما يقوله (سيجموند
فرويد) عن غريزة الموت فى كتابه (الذات والغرائز) نجده يقول: "إن ممثل غريزة
الموت التى يصعب ملاحظتها نجده فى غريزة الهدم، يقوم الكره بتمهيد السبيل لها,
وتبين الملاحظات الإلكينيكية الآن, أن الحب يكون دائماً مصحوباً بالكره (التناقض
الوجداني) بشكل لم يكن متوقعاً، وأن الكره غالباً ما يكون مقدمة للحب فى العلاقات
الإنسانية". [سيجموند فرويد – الذات والغرائز– 1961 – ص87].
وقد أفاد معظم عمالقة الأدب من فكرة مزج
الموت مع الحب، باعتبارهما لغزين مترابطين من ألغاز الوجود، حيث بدأت الفكرة واضحة
كل الوضوح فى أدب (آرنست همنغواي) خاصة فى روايته الشهيرة "وداعاً أيها
السلاح" عندما نرى قصة حب جارف بين جندي جريح وممرضة كانت تعمل فى المستشفى.
وقد تعملق (ت. س. إليوت) فى
النبوءة التى اجترحها فى قصيدته الشهيرة "الأرض اليباب"
حيث مزج فيها بين الموت والجنس.
أما فى أدبنا العربي، نستذكر رواية اللص
والكلاب لنجيب محفوظ، والطيب صالح فى روايته موسم الهجرة إلى الشمال، وفى معلقة
عنترة العبسى، حيث نرى بريق السيف والثغر معاً، والموت والحبيبة.
فطوقان أقبل على الحب بأشكاله وأنواعه
ومناسباته، ورغبته الشديدة فيه، وما لاحظناه فى أشعاره فى أكثر من واحدة، نتيجة
للكره الشديد للموت تمشياً مع قول (فرويد) "فى أن الكره غالباً ما يكون مقدمة
للحب، وأنه كثيراً ما يتحول الكره إلى حب، والحب إلى كره" [سيجموند فرويد – الذات
والغريزة – تعريب محمد عثمان نجاتي، ص 90].
فالشاعر أقبل على الموت وتعلق به
باعتباره راحة له من حياته ومتاعبها، ولأنه من جهة أخرى أحس بكثرة ما بذل فى
الحياة من انفعال وطاقة قربته منه حتى أصبح فى نظره حقيقة لا مفر منها، فتحول بغضه
له إلى حب وترحيب.
ولكن إلى أن حانت
لحظة الموت، لم يكن باستطاعة شاعرنا الشاب الثائر الساخط على الحياة, أن يواصل
حياته ويرتضي البقاء, إلا فى هذا المتنفس الذى خلقه لنفسه ليتنفس فيه نسمة الحياة، ويفزع إليه من قسوة الواقع ألا وهو (الرومانسية) التى
ظهرت معالمها واضحة فى أشعاره.
ثانياً:
الثورة على التقليد:
إن أهم ما يسترعى النظر فى شعر طوقان,
أنه يساير الشعر الرومانسي فى كثير من الوجوه؛ حيث نجد الشعر عنده اتسع لكثير من
الخواطر الذاتية والتأملات الذهنية والانفعالات العاطفية كما نلاحظ فى شعره أنه لم
يقتصر على الأجناس الشعرية القديمة مثل: الوصف والمدح والفخر وغيره. إذ كان يتغنى
بأحاسيسه تجاه الحياة، وما فيها من مظاهر الطبيعة ومراتع الطفولة، ويمزج بين هذه
الأشياء فى قصائده، كما يبث فيها آراءه وتأملاته وشعوره وحلمه بعالم مثالى يسوده
الإخاء والمساواة.
ولكن على الرغم من المزج بين بعض هذه
المعاني فى قصائده، أصبحت القصيدة عنده كلاً يعبر عن تجربة نفسية خاصية يمكن تسميتها، ويمكن إدراك مدلول هذه
التسمية فى مقطوعاته, وأيضا نلاحظ فى شعره غلبة الناحية العاطفية, وضآلة الجانب
الفكري، وهذا راجع إلى تقديسه للعاطفة, وإيمانه بها وبصدقها أكثر من إيمانه بالعقل
والفكر, حتى أنه يقول من قصيدة بعنوان "عيناي مطبقتان" [الأعمال
الكاملة، ص59] :
عبثاً أخفف عن فؤاد لا يقر له قرار
عبثاً أعلله بلقياها وقد شط المزار
حذرته حباً عواقبه اللواعج والدمار
لله قلب أغواه حبٌّ
فإذا به جمم
العثار ويستجر ولا يجار
وفى
عام 1926 هزت عواطف شاعرنا فتاة تدرس فى الجامعة الأمريكية تدعى ماريا صفوري وهي
فتاة فلسطينية من كفر كنه قضاء الناصرة، وهي بلدة مشهورة بالرمان، كتب فيها
إبراهيم قصيدة بعنوان:" في المكتبة" [ الأعمال الكاملة، ص69] يقول فيها:
وَغَرِيـرَةٍ
في المَكْتَبَــهْ بِجَمَالِـهَا
مُتَنَقِّـبَهْ
أَبْصَرْتُهَا عِنْدَ
الصَّبَـاحِ
الغَضِّ تُشْبِـهُ
كَوْكَبَهْ
لقد تابع الثورة على التقاليد القديمة
الموروثة فى الشعر العربي، وحمل مشعل الرومانسية عالياً مضيئاً للأجيال بعده؛ حيث
عبر عما يحسه فى حرية غير معهوده من قبل، مما ساعد فى تأصيل رومانسية إيجابية
متفتحة على مشاكل مجتمعه.
إذ أصبح الشعر عند طوقان تعبيراً عن
تجاربه الذاتية, وتسجيلاً لانفعالاته النفسية إزاء مشاهد الكون والحياة، فعرض فيه
خواطره وأفكاره وتأملاته فى الحياة والطبيعة، وما يحيط به من أحداث وما ينبض به قلبه
من آمال وآلام. فكان شعره قصة لحياته وقطعة من وجوده، وما فيه من خير وشر وألم
وأمل، وقد كرر الشاعر هذا المعنى فى قصيدته "حطين" [الأعمال الكاملة، ص
95] يقول فيها:
أهــلاً بربَّ المهرجــان أهــلاً بنابغة البــيان
مــلك القلــوب المستقـل بعرشها والصولجــان
أهلاً (بشوقي) شاعر
الفصحى ومـعجـزة البيـــان
يا باكــي الفيحاء حين أبتْ تقــيم
على الهـــوان
أرسلتَ عن (بردى) سـلامك فى لظـى الحرب العـوان
وذرفــت دمــعاً لا يكفكف هيــجته الغوطـــتان
عرج على حطين واخشــع يُشجِ
قلبــك ما شجــاني
وانظر هنــالك هل تــرى آثار (يوسف) فى المكــان
وقد كان نتيجة لهذا الجديد نحو الشعر
الوجداني والوطني الذي سلكه الشاعر أن ترفع عن المدح والرثاء التقليديين، وكذلك عن
شعر المناسبات، التى لا تتصل بحياته وانفعالاته الخاصة.
فقد
نظم فى الذكرى السنوية الرابعة لرحيل الشهداء الثلاثة الذين أعدمهم الإنجليز فى
سنة 1930 قصيدة بعنوان "الشهيد" [الأعمال الكاملة ، ص197] يقول فيها:
عبس الخطب فابتسم وطغى الهول فاقتحم
رابط الجأش والنهى
ثابت القلب والقـدم
ولا
نخالنا مبالغين إذا قلنا بأن هذه القصيدة التى تصف الشهيد وتخلده من أرفع ما وصل
إليه الشعر العربي الحديث في هذا الموضوع، فهى غنية فى روحها وديباجتها، وغنية عن
التعليق.
وهكذا كان شاعرنا جذوة متقدة، تشتعل
بالثورة والغضب، والمشاعر الصادقة حيال الحب والوطن. ومن يطلع على هذه القصائد،
يجدها طافحة بالحزن والأسى والعذاب، ولكنها مع ذلك تخالف الموروث التقليدي فى فني
الغزل والرثاء على حد سواء.
ولم يخرج عن هذا الإطار العام خلال
عصورنا الأدبية، إلاَّ أفراد معدودون، كالمتنبى،
وابن الرومَّي، والمعرى الذين أجادوا فى رثائهم، وأبرزوا إحساسهم وانفعالهم بالموت،
وأطالوا التفكير فيه، كما فعل الشعراء الذين اهتموا بتأكيد الشخصية الإنسانية
واعتناق الرومانسية كما فعل شاعرنا فى رثائه الشريف حسين. [الأعمال الكاملة، ص175]
ثالثاً: التأمل
فشعر التأمل الرومانسي يختلف عن شعر
التأمل الكلاسيكي, من حيث الكم والكيف والجرأة والتحرر, وإذا قرأنا شعر التأمل عند
طوقان وجدناه شعراً رومانسياً خالصاً, يمتاز بالتحرر والجرأة ويشوبه التمرد
والثورة والشك والقلق.
والتأمل فى الحياة وما فيها من غيبيات,
ومفارقات عجيبة أعجزت العقول، فظلت مغلقة مغلفة بالغموض، تثير الاهتمام، وتبعث على
التفكير مثل: الحياة والموت، والقضاء والقدر، هكذا أطال الشاعر التأمل فى الحياة
والمخلوقات، وما يعتريها من ثورة، واضطراب وما يحدث من صراع بين الخير والشر،
والحق والباطل، والقوي والضعيف، وكل شيء فى الحياة والقضاء والقدر، يظهر كل ذلك فى
الأسئلة الحائرة القلقة التى نقرؤها فى قصيدته "عارضى نوحي بسجع"
[الأعمال الكاملة، ص54] والتى يقول فيها:
خطرت بالأمس ريح صرصر
فالتوى غض شبابي الأخضر
ورأيت الزهر عنه ينثر
مثلما ينثر دمعي
إلى
أن يقول :
وطأة الليل على قلبي الحزين
مزجت منه بأنفاسي أنين
ماله وقع بسمع العالمين
وبسمعي أي وقع
أنت يا ورقاء من دون الأنام
تسمعين النوح مني فى
الظلام
فإذا ما نحت يا رمز السلام
عارضى نوحي بسجع
لم يستطع الشاعر أن يصل إلى جواب شاف
لهذه الأسئلة، وإنما سيطر عليه القلق الممض والحيرة
المؤلمة حتى نراه يقيم حواراً فلسفياً كما لاحظنا فى قصيدته السابقة.
وقد أسلمته هذه الموجه العاتية من
التأمل الطويل المتتابع إلى كثير من الأسئلة الحائرة التى لم يجد لها جواباً
شافياً، مما دفعه إلى الثورة على القضاء والقدر وقوانين الطبيعة.
وتتجلى عمق النظرة والتأمل عند شاعرنا,
وهو يصف الديك الحبشي، وهو يذبح، ويأبى إلا أن يتعلق بالحياة، فهو يفر من الموت
ليقع فى الموت، بسبب قانون الطبيعة الذي يسمح للقوى أن يستلب الضعيف، فإبراهيم يحب
الحياة ويعتقد أن انتزاعها جريمة، بل إن منظار إبراهيم لصورة الموت هذه مضخمة تعكس
مدى كرهه للموت، مثلما تؤكد تشبثه بالحياة.
فلنستمع
إليه فى قصيدته" الحبشي الذبيح" [الأعمال الكاملة، ص150]:
برقت
لـه مسنونة تتلهبُ أمضى من القدر المتاح وأغلبُ
حزَّت فلا خدُّ الحديد مخضبٌ بدمٍ ولا نحـرُ الذبيح مخضبُ
وجرى يصيح مصفقاً حيناً فلا بصر يزوغ ولا خطىً تتنكبُ
يعدو فيجذبه العـياء فيرتمى ويكاد يظفر بالحـياة فتهربُ
هى فرحة العيد التى قامت على ألمِ الحياةِ وكلُّ
عـيد طـيبُ
إن الصورة الحسية هى الدافع القريب
المباشر للكتابة، أما الدافع البعيد، فهو شعور إبراهيم بالتعاطف مع الحبشي، وهو
المعادل الموضوعي للأمم المغلوبة، لاسيما الفلسطينيين الذين يلقون المصير نفسه من
قوى الاستعمار البريطاني والعصابات الصهيونية.
وذلك كما فعل الرومانسيون، إذ كانوا
يثورون على نقص مصيرهم بالموت، وعلى اضطراب حياتهم، فى عالم يسوده الشر، ولذلك
ثاروا على أسباب هذا الشر فيما وراء الحدود الإنسانية، إذ لم يروا فى الحياة سوى
ألوان من العذاب خاتمته الموت.
الشعر
الديني:
إن من يقرأ شعر التأمل عند شاعرنا، وما
فيه من شك وثورة على الحياة، والقضاء والقدر، يخيل إليه للوهلة الأولى، غياب الأثر
الديني منه، لكن ليس معنى ذلك الشك الطعن فى إيمان إبراهيم، فهو مؤمن فى سريرة
نفسه إيماناً صادقاً، حتى أنه فى قمة ثورته على حياته وما فيها من ألم ومرض لا
ينسى إيمانه بالله ، فلنستمع إليه فى قصيدة بعنوان "نعمة العافية".
[الأعمال الكاملة، ص178]:
إليك
توجـهت يا خالقي بشكـر على نـعمة
العافيهْ
إذا
هي ولـت فمن
قادرٌ سـواك على ردها
ثانـيهْ
وما
للطبيب يدٌ فى الشفاء ولكـنها يدك الشــافــيهُ
تباركتَ، أنت
معيدُ الحياة متى شئت فى الأعظم البالـيهْ
وأنت المفرج كرب الضعيف وأنت
المجيرُ مـن العاديهْ
ويقول من قصيدة بعنوان " شريعة الاستقلال"
[الأعمال الكاملة، ص228] والتى مطلعها:
يوم
بداجية الزمان ضياء
وبهاؤه للخافقين بهاءُ
إلى أن يقول:
نزل الكتاب على النبى محمد ما يصنع الخطباءُ والشعراء!!
حريةٌ
أيُ الكتاب وسؤددٌ وعزيمة وكرامة وإباءُ
وهناك العديد من القصائد التى كتبها
شاعرنا تفوح منها النفحة الإيمانية العبقة نذكر منها على سبيل المثال، قصيدة
"الخالدون" [الأعمال الكاملة، ص 235]، وقصيدة "اقتباسات من
القرآن" [الأعمال الكاملة، ص 245]، وقصيدة "أشواق الحجاز" [الأعمال
الكاملة،ص 269].
يقول عمر فروخ فى كتابه "شاعران
معاصران" عن تدين إبراهيم على لسان إبراهيم طوقان:"الجميل فى رمضان عندى
خاصة، أنني أقرأ القرآن فيه، وأقرأه كله، هذا ما أصنعه فى كل سنة، وأتلذذ به،
فأصقل به لغتى، ونعم صقال القرآن" [الساخر والجسد
، ص28].
وكتب إبراهيم طوقان بتاريخ 24 آب 1935م
يقول:
"الإسلام مبدأ وبحفظه حفظهم،
ولكنهم كثيراً ما أهملوه فى سبيل التافه من الأمور، وشد ما أغفلوه فى التوصل إلى
هدف زائل... ناهيك بأمة تفضل الإفرنجي الكافر على المسلم فتخطب وده، وتطلب حكمه
وتمنحه الامتيازات فى بلادها، وتمكن جنوده من احتلال البلاد".
[الكنوز – المتوكل طه – ص 29]
وهذا ما يجعلنا نؤكد بأن القرآن الكريم
بأكمله راسخاً فى عمق الشاعر ووعيه، من هنا كانت المصادر الدينية من أهم روافد
إبراهيم طوقان الثقافية، والتى كان أهمها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة
والعهدين القديم والجديد. فقد كان انفعاله بالقرآن الكريم واضحاً، وقد تناوله
تناول المؤمن الخاشع الذكي.
إذ لا تكاد تخلو قصيدة من قصائد إبراهيم
من التأثر بالقرآن الكريم أو الحديث الشريف أو التوراة والإنجيل، وقد جاء الاقتباس
أو التعبير أو الجملة التى لها جذر قرآني أو إسلامي حنيف فى مائة وثلاثة وخمسين
موضعاً، فضلاً عن إفادة الشاعرة إلى ظلال الصورة القرآنية وهى الصورة المعبرة
الكاملة ، كما كان يستثير المعنى القرآني لفظاً مرة ومعنى مرة أخرى ليجعل من هذه
الاستثارة مدخلاً لوعى المتلقين أو مفجراً لأحاسيسهم.
وليس هذا بغريبٍ على إنسان نشأ فى بيئة
دينية، وفكر فى الحياة والموت، والقضاء والقدر، ومظاهر الحياة الناطقة بوجود الله،
الشاهدة على قدرته وجبروته، وإنما الغريب حقاً أن يكون غير ذلك. لقد كان شاعرنا
مؤمناً عميق الإيمان، معتصماً بالله كلما جنحت به سفينة الحياة إلى أمواج الشك
والقلق.
وتروى أخته
فدوى:" كان لإبراهيم رحمه الله مصحف صغير لا يخلو منه جيبه، تبركاً به من
جهة، وليكون فى متناول يده كل حين من جهة أخرى".[الأعمال الشعرية الكاملة، ص
45].
الحنين
إلى ذكريات الماضى:
لقد عبر الشاعر عن الحنين إلى مرحلة
الطفولة؛ حيث وفاقه مع طبيعة تلك المرحلة, التى كان فيها لعوباً, فلم يكن يألوا
جهداً فى معابثة جدته, التى كانت تضيق بضجته وحركاته، وتلحق به وهي تزجره برطانتها
التركية، فيفر منها ويتسلق إحدى شجيرات النارنج التى تمتلئ بها ساحة الدار، يترنم
بالأهازيج الشعبية، وكذلك وقوفه أمام جده, يرتجل
ما ينقدح عنه فكره الصغير يومئذ، من قول يرسله فى وصف حادث حدث فى البيت، فيه
نكته، أو طرافة، وذلك فى عبارات تكاد تكون موزونة مقفاه، كان ذلك التقليد من
إبراهيم لأسلوب الأشعار التى يحفظها فى المدرسة، يملأ نفس الجد غبطة، ويفعمها بهجة, فيأخذه جده بين ذراعيه، ويكافأه بقطعة
من النقود، ينطلق إبراهيم مرحاً خفيفاً كأنه طيف من الأطياف.
كما
كان يحن إلى أيام المدرسة, عندما كان يقف أمام معلمه لينشد الشعر، فيلقيه إلقاءً
موسيقياً جميلاً ، ينبعث له طرب المعلم.
وهكذا
يظل يقص علينا ما فى الطفولة من أحلام حلوة ، ولهو محبوب وعبث برئ لا يمل ولا يسأم
ولا يدركه الفتور، وما فيها من شعور بالسعادة والبهجة والمرح. وأخيراً يتحسر على
ذهاب تلك الأيام الجميلة، التى تمثل فى حياته حلقة متصلة من السعادة والحب التى
تتشوق إليها، فيقول فى قصيدة بعنوان "لذة العيش" [الأعمال الكاملة،ص
101]، والتى مطلعها:
لذة
العيش بسفح الكرمل ليلة الكرمل عودى
كرماً
ويقول
فيها:
ليلة الكرمل عودى وانظري أي قلـب قطعته
الزفرات
أي نفس زهقت بعد جـوى
أي روح قد تلاشت حسرات
ليس لى
غير البكا والسهر وهما للدهر عندى حسـنات
فيهما
ذكـرى اللقاء الأول أرشف الأدمع منها واللمـى
فصلـى الـليل بليل
أطول يا جفوني وأذرفي الدمع
دما
ولبيروت التى عاش الشاعر فيها شطراً من
حياته، ولدير قديس التى قضى فيها الشاعر أجمل لياليه وله فيها ذكريات جميلة ارتسمت
فى ذاكرته وخلدها فى شعره، يقول من قصيدة بعنوان" فى دير قديس" [الأعمال
الكاملة، ص104]:
لم ألق بين لـيالىَّ التـى سلفــتْ كـليلـةٍ بتُّـها فى ديـر قدـيس
ضممـت حسناءَ لم يُخلق لها مثلٌ بين الحسان ولا فى حور الفراديسِ
ما عرش بلقيس فى إبان دولتها ولا
سليمان مزفوفــاً لبلقـيس
يوماً بأعظم منا فى السرير وقد دام العـناق إلـى قرع النواقـيس
الطبيعة
فى شعره:
تحت ضغط ظروف الحياة العامة والخاصة
التى عاشها الشاعر، لم يجد أمامه إلا الهرب منها إلى رحاب الطبيعة، تلك الأم الرءوم
التى تحنو عليه وتخفف عنه الآلام والعذاب، لقد ذهب إلى الطبيعة وأحبها، ونظر إليها
نظرة الخاشع المتصوف المفتون, بكل ما في مظاهرها من روعة وجلال، بل لقد بلغ من حبه
لها, وشغفه بها أن امتزج بها وحل فيها وشاركها الآمال والآلام، كما جعلها مرآة
تعكس ما فى نفسه، ورفيقاً يشاركه الأفراح والأتراح، كما فعل الرومانسيون الذين
احتفوا بها من قبل، يقول من قصيدة بعنوان "شوق وعتاب" [الأعمال الكاملة،
ص61]:
طلع الفجر باسـماً، فتأمـل بنجوم الدجى ترنح سهـدا
هى مثلى حيرى وعما قريب تتوارى مع الظلام وتهـدا
قلت للطير حين أصبح يشدو أيها الطير صباحاً فـردا
جمـع الله فى محـيا حبيبى أقحـواناً وياسمـيناً ووردا
وقد كانت المظاهر الفطرية البسيطة، التى
لم يشوها التصنع والتعقيد، أحب مظاهر الطبيعة إلى قلب الشاعر شأنه شأن الرومانسيين. الذين أحبوا الطبيعة حباً جماً يقرب من العبادة،
فدعا (رسو) أبو الرومانسيين إلى العودة إليها، وفضل بساطتها وطهارتها وهدوءها على
ما فى المدينة من زيف وضلال وضوضاء، وجاء بعده تلاميذه من الرومانسيين أمثال
(وردسورت)، و(بيرون)، و(شيلى)، و(كولردج)، و(لامارتين)، و(الفريددي موسه) وأضرابهم، فقدسوا الطبيعة ولجئوا إليها فراراً من
المجتمع الظالم والحياة الفاسدة.
فلنستمع إلى شاعرنا:
ويقول من قصيدة بعنوان:" معين
الجمال" [الأعمال الكاملة، ص82]:
مرحباً بالحياة عاد صـداها
وانجلى الليلُ عن صباح مُبـينِ
سفراءُ الصباح نورٌ
وطـيرٌ تتغنى
فى مائسات الغصـون
ونسيمُ يداعبُ الروحَ والبحر شجريُُّ الغناءِ عذبُ المجــون
وجلال الوديان ملءُ الحنايا وجمالُ الجبالِ ملءُ العــيون
فى اخضرار كأنه أملى فيك وثلــجٍ
نقاؤهُ كـالجبــين
إنما هذه الطبيعةُ أنســي ومُعيني إنْ لم أجدْ من
مُعــين
أتقرى جمال َذاتـك فى ما أبدعته
يمينــُها من فــنون
فى الغدير الصافي وأنشودة الطير وطيب الورد والياســمين
لم يكن إبراهيم إلا عابد الطبيعة
المترهب المؤمن بما فيها من قدسية وعظمة، فطبيعته تسكن فى استعاراته وتشبيهاته.
إذْ كانت الطبيعة عنده أكبر من قصيدة شعر، فقد كانت ملجأً له من قسوة الحياة،
والعالم المثالى الذي يتشوق إليه، وهذا ما نلمسه فى كثير من أشعاره.
يقول
في قصيدة بعنوان" حملتنى نحو الحمى أشجانى" [ الأعمال الكاملة، ص83]:
نبهتنـى صوادح الأطيار
تتغنى على ذرى الأشجار
وتجلـت مليـكة الأنوار
فوق عرش الصباح تشرف طَلاَّ من ثغور الأقاح غلاً ونهلاً
فتمنيـت لو
شقيقـهُ روحى باكرتنى
إلى جنى الأزهار
أنا فى روضة أباحت جناها
كلُّ ذي صبوةٍ كئيب
أتاها
ها هنا وردة يفوح
شذاها
ها هنا نرجس يحيي
الأقاحا والدَّاولي تعانقُ التفاحا
بادري نستبقْ معا
وارف الظل ونقضِ النهار بعد النهارِ
كل ذلك يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك فى
أن شاعرنا كان عميق الإحساس بالطبيعة، حتى أنها كانت تخايله فى كل لحظة عندما يصف
الحبيبة أو يتأمل الحياة، وقد كان الغاب - الذي تربى فى أحضانه فى ضواحى مدينته
نابلس التى نشأ فيها، أو جبال لبنان التى عاش فيها شبابه – كان أحب مظاهر الطبيعة
إلى نفسه لتجلى الحياة الفطرية، بمظاهرها المختلفة من أشجار ومرتفعات فى الفضاء،
لا يعوقها شيء، وحيوانات وطيور تعيش فى حرية وسعادة وألفه وبساطة محببة إلى النفس،
فالغاب فى نظره مجتمع مثالى, فيه الحرية والسعادة والجمال، بل أكثر من ذلك، فيه
بعد عن أحزان الحياة وزحمة الناس ولغوهم وحقدهم لذلك ظل يحلم به ويردده فى أشعاره،
لما فيه من قيم مثالية حرم منها فى حياته الواقعية القاسية، ففيه العطف والحب
والجمال والحيوية, التى هو أحوج ما يكون إليها بسبب حساسيته المفرطة ومرضه وكونه
فناناً يقدس الجمال.
الحب
فى شعره:
إن الحب عند إبراهيم طوقان عفيف، صادق يمجد العاطفة، ويقدس
كل صور الحب الموجودة فى الحياة، كحب الإنسان للإنسان وحب الأم لطفلها، وحب الرجل
للمرأة، وحب الجمال، لأن الحب فى ذاته سعادة وحياة للنفوس وإخاء بين الناس، يحمل
فى طياته العطف والتسامح والتقدير والمودة والرحمة، وكل ما يحبب الإنسان فى
الحياة.
وحياة شاعرنا حافلة بقصص الحب وقصائد
الغزل، فهو يؤمن بالحب إيماناً عميقاً، لأنه شريان الحياة الذى يربط بعضنا ببعض،
ويهون علينا متاعب الدنيا، حيث يجعلها باسمة جميلة، فابتسامة من حسناء تحيي
الشاعر، فلنستمع إلى ما يقوله فى قصيدة بعنوان "معين الجمال" [الأعمال
الكاملة، ص81]:
أسعديني بزورة أو عديني طال عمرى بلوعتى وحنيني
يا معينَ
الجمال أذبلت قلبى أنعشيني بنهلة
أنعشينــي
يا معينَ
الجمال قطرة ماءٍ أو
أفيضى ابتسامةً تُحيينـي
وقد بلغ تقديسه للحب أن عرض علينا كل
صور الحب فى شعره، كما اتخذ الحب موضوعاً للتأملات الذهنية فرآه فى كل جميلة، كما
نلمس ذلك فى كثير قصائده التي نذكر منها على سبيل المثال: "سلام عليك"
[الأعمال الكاملة، ص71]، و"نزيهة" [الأعمال الكاملة،ص74]، و"حملتني
نحو الحمى أشجاني" [الأعمال الكاملة، ص83]، و"منديل حسناء" [الأعمال
الكاملة، ص87]، و"الغرام الأول" [الأعمال الكاملة، ص161]، و"في المكتبة"
[الأعمال الكاملة، ص69] التي يقول فيها:
وَغَرِيـرَةٍ في المَكْتَبَــهْ
بِجَمَالِـهَا
مُتَنَقِّـبَهْ
أَبْصَرْتُهَا
عِنْدَ الصَّبَـاحِ الغَضِّ
تُشْبِـهُ كَوْكَبَهْ
جَلَسَتْ
لِتَقْرَأَ أَوْ لِتَكْـ ـتُبَ مَا المُعَلِّـمُ رَتَّبَـهْ
فَدَنَوْتُ
أَسْتَرِقُ الخُطَـى
حَتَّى جَلَسْتُ
بِمَقْرُبَهْ
وَحَبَسْـتُ
حَتَّى لا أُرَى
أَنْفَاسِـيَ
المُتَلَهِّبَـهْ
وَنَهَيْتُ
قَلْبِيَ عَنْ خُفُـو قٍ
فَاضِـحٍ فَتَجَنَّبَـهْ
وتقع القصيدة فى سبعة وعشرين بيتاً،
يسترسل شاعرنا فى وصف جمال غريرته، مما يؤكد أن وصفه للجمال ينسجم مع شهوته، بل إن
رغبته الجنسية قد طغت فى بعض أبيات القصيدة، فبانت فى قوله:
لَيْـتَ حَـظَّ
كِتَابِـهَا لِضُلُوعِـيَ
الْمُتَعَذِّبَـهْ
حَضَنَـتْهُ تَقْرأُ
مَـا حَـوَى وَحَنَتْ عَلَيْهِ وَمَا
انْتَبَـهْ
وما يؤكد ذلك عمق صوره الجنسية
واستخدامه كلمات مثل: (حضنته، ريقها، الفم، الثنايا)
من هنا يتضح لنا أن حب الرجل للمرأة كان
أبرز هذه الصور، إذ احتلت المرأة فى شعر إبراهيم مكاناً رفيعاً كما هو الحال فى
الشعر الرمانسي الذى لم تظفر بمثله من قبل، وهذا شيء طبيعي من أناس يمجدون العاطفة
ويقدسون الحب؛ إذ أكثر الرومانيتكيين يقولون:
"بأن المرأة ملك هبط من السماء
يطهر قلوبنا بالحب، ويرقى بعواطفنا، ويذكى شعورنا، يشجعنا على النهوض بأعباء
واجباتنا الخلقية والسياسية والوطنية ... ولكن إلى جانب هؤلاء كان قليل منهم يرون
فى المرأة رأياً مناقضاً، فهى عندهم شيطان يضل الناس ويغويهم ... وكثيراً ما كان
يلجأ إليه الشعراء حين يصفون من غدرن بهم من
النساء ".
[الرومانتيكية
– د. محمد غنيمي هلال – مكتبة نهضة مصر – القاهرة –– ص 149، 150]
وبتأمل
بعض قصائد الحب عند شاعرنا، نجده يخرج عن المألوف عند نظرائه الرومانسيين، فعلى سبيل المثال فى قصيدته "ملائكة
الرحمة" [الأعمال الكاملة، ص 49] والتى يقول فيها:
بيض
الحَمَائِـمِ حَسْبُهُنَّهْ
أَنِّي أُرَدِّدُ سَجْعَهُنَّــهْ
رَمْـزُ
السَّلاَمَـةِ وَالوَدَا
عَةِ مُنْذُ بَدْءِ الخَلْقِ هُنَّـهْ
فقد ألقى إبراهيم
حقيقة الملائكة / الممرضات/ جانباً وبدأ يتخيل الممرضات وكأنهن فى حمام سباحة.
يُطْفِئْنَ
حَـرَّ جُسُومِهِـنَّ بغَمْسِهِـنَّ
صُدُورَهُنَّـهْ
هذا التخيل يمكنه من تعميق الصورة
الحسية، ثم نراه يعود إلى موضوع القصيدة الإنساني فى وصف الممرضات كي لا ينفضح
أمره يقول:
المُحْسِنَـاتُ إلى
المريـضِ
غَدَوْنَ
أشباهـاً لَهُنَّـهْ
ويكون بذلك قد عاد إلى النموذج نفسه
الذي نجده عند معظم أدباء النزعة الرومانسية، طهر وعفة وجمال وسمو حتى عن الوصف
والتحديد، وهو ما لم يلتزم به الشاعر الكلاسيكي العربي, الذي كان لا ينظر إلى
المرأة إلا على أنها جسد ومتعة, حتى أن أبا القاسم الشابي يعبر عن هذا بقوله:
" إن نظرة الأدب العربي إلى المرأة دنيئة سافلة منحطة إلى أقصى قرار من
المادة، لا تفهم من المرأة إلا أنها جسد يشتهى ومتعة من متع العيش الدنيء. أما تلك
النظرة الروحية العميقة التى نجدها عند الشعراء الأوربيين، فإنها منعدمة بتاتاً،
أو كالمنعدمة فى الأدب العربى كله لا أستثنى إلا الأندر الأقل على الرغم من أن
أكثره فى المرأة، لم يعرف العرب ولا الشاعر العربي تلك النظرة الفنية التى تعد
المرأة كقطعة فنية من فنون السماء يلتمس لديها الوحي والإلهام، ولم يحاول الشاعر
العربي أن يحس بما وراء الجسد من روح جميلة ساحرة تحمل بين جنبيها سعادة الحب
ومعنى الأمومة، وهما أقدس ما فى هذا الوجود".
[الخيال
الشعري عند العرب – أبو القاسم الشابي – الشركة القومية للنشر– 1961 – ص 72].
ولعل قصائده وغزله وتشبيبه فى العديد من
النساء بدءاً من ماري الصفوري، والممرضة الروسية، وفوز، ونزيهة أدهم ، وجارته
الفلاحة، والممرضة لولي، وغادة أشبيلية (مارغريتا) وغيرهن يثبت مجون إبراهيم،
وأخذه بالجمال والنساء.
يقول صديقه عمر فروخ: " إن إبراهيم ألف
التدخين والشراب، ثم كثر شربه للخمر، وله شطحات شبابية إلى الشام ولبنان"
[الساخر والجسد – المتوكل طه – ص51].
ويذكر
صديقه البدوي الملثم (يعقوب العودات):" إنَّ إبراهيم كان يسلك سبل الهوى
والكأس" [إبراهيم طوقان فى
وطنياته ووجدانياته – البدوي الملثم- ص172].
من هنا يكون الحب عند إبراهيم طوقان
انعكاساً للطبيعة، أو إن الطبيعة مرآة نفسه، فهو يصور المرأة والطبيعة كما يحب أن
يراها، فلنستمع إليه فى قصيدة "حملتني نحو الحمى أشجانى" [الاعمال
الكاملة ، ص83]
نبهتني صوادح الأطيـار
تتغنى على ذرى الأشجار
وتجلت مليكة الأنوار
فوق عرش الصباح ترشف ظلاً من ثغور الأقاح غلاً
ونهلاً
ها هنا نرجس يحي الأقاحا والدوالي تعانقُ التفاحا
إلى أن يقول:
خطرات النسيم في واديك
صبحتني بقبلةٍ من فيك
ثم عادت بقبلةٍ تشفيك
فسلاماً يا وادي الرمان فزت
بالروح منك والريحان
فشاعرنا
يحب مثلما تحب الطيور، تقبل بعضها البعض، والنرجس يلثم عاشقته النرجسة، والنجمة
تدور حول النجم ليعتنقا، والدوالي تعانق التفاحا.
فهو يريد المرأة كما هي بدون مكياج أو
تزويق أو تصنع يريدها على طبيعتها التى خلقها الله عليها يتضح لنا ذلك فى قصيدته
"مرابع الخلود" [الأعمال الكاملة، ص187] يقول فيها:
رأيت غيداً من أعاريب الفلا حُمْرَ
الجلابيب غرائب الحلى
خلقن من حسن وفتنة فــلا تطريه ترى ولا تجمــلا
وهكذا فلتكن الغوانــي
وهكذا تعكس أشعار إبراهيم فى المرأة
رغبة ذاتية داخلية، ليكون ثمة معادل موضوعي خارجي (الطبيعة العاشقة) مشابه لما
بداخله من رغبات.
وبذا يكون شاعرنا قد تميز عن شعراء عصره
الفلسطينيين "فإنه وانسجاماً مع جمعه للمتناقضات فى نفسه وعصره، فقد أعجب
بأصحاب المذهب الرومانسي أمثال (كولريدج) و(كيتس) ، و(شلي)، و(بيرون) و(أوسكار
وايد) واتجه إعجابه بشعراء العصر العباسي كأبى نواس، والعباس بن الأحنف، والبحتري،
وسبط بن التعاويذي". [عبد الرحمن ياغي - ص31]
من هنا يمكن أن نعتبر رومانسية إبراهيم
طوقان كانت من النوع الإيجابي فى حياة الشعر فى فلسطين؛ حيث أحدث هزة فى التقاليد
الشعرية، وبعث فى الشعر روحاً جديدة، وبث فيه صياغة حية متحركة، وكانت ألفاظه
ومعانية من إبداعه، وقد جمع شاعرنا بين الثقافتين الأصيلة والوافدة، لتنتصر
الرومانسية والتجديد فى الشعر الفلسطيني على الكلاسيكية المحافظة قبل أن يتمكن
الغزاة الصهاينة من الانتصار على العرب، وإنشاء الكيان الصهيوني فى العام 1948م.
أهم
نتائج البحث:
1-
كانت للبيئة التى نشأ ودرس فيها الشاعر أثرها الواضح على اتجاهه إلى الرومانسية.
2-
كما كان لحياة بلاده العامة من انتداب بريطاني واستيطان صهيوني كبير الأثر فى هذا
الجانب.
3-
كان لقراءاته واطلاعه على الآداب العربية والأجنبية، واتصاله بكبار الأدباء
والمستشرقين فى عصره الأثر الواضح على اتجاهه الفني.
4-
كان حياة الشاعر الخاصة والمليئة بالأحاسيس والعقبات،التى واجهت الشاعر كمرضه
العضال، وإخفاقه فى الحب، وشعوره بالتفوق والامتياز كبير الأثر فى الاستجابة لهذا
التيار.
5-
كان طموحه إلى الحرية والانطلاق وسط شعب سحقته التقاليد القديمة, وأفسدت روحه
أنظمة الحكم الاستعمارية من الأسباب التى أثرت فى اتجاهه الفني.
6-
نظم شاعرنا قصائده فى مرحلة مبكرة من شبابه, التي يطغى فيها الخيال ويشتد جناحه,
مما جعله يميل إلى الاتجاه الرومانسي.
7-
كان شاعرنا جذوه متقدة تشتعل بالثورة والغضب والتمرد, على التقاليد والاستعمار
والخونة والسماسرة والزعماء.
8-
أطال الشاعر التأمل فى الحياة والمخلوقات، وما يحدث من صراع بين الخير والشر, والحق والباطل, والقوي والضعيف, والقضاء والقدر.
9-
إن القارئ لشعر إبراهيم طوقان، يخيل إليه للوهلة الأولى غياب الأثر الديني منه،
لكنه في حقيقة الأمر مؤمن فى سريرة نفسه إيماناً صادقاً, إذ هناك العديد من قصائده
يفوح منها عبق الإيمان.
10-
احتلت الطبيعة فى شعره مكاناً واسعاً، باعتبارها الأم الرءوم التى تحنو عليه وتخفف
من عذاباته وآلامه.
11-
يحتل الحب فى شعر طوقان ونفسه أرفع مكانة وأوسعها، فهو يمجد العاطفة ويقدس الحب فى
كل صورة وفى مقدمة هذا الحب المرأة والوطن.
12-
إنه فى مجموع أشعاره يسير على عمود الشعر العربى بسلامة أسلوبه، واختيار ألفاظه،
وإشراقة ديباجته.
13-
شعره واضح لا غموض ولا إبهام ولا رمزية بعيدة فيه، يعرض المعنى من غير تكلف دون أن
يجهد نفسه أوالقارئ.
14-
ألفاظه قريبة سهلة عذبة لا إغراب فيها مع جزالة وبعد عن الابتذال.
15-
الصدق الفني هو مفتاح شخصية إبراهيم طوقان؛ إذ كان صادقاً فى كل ما نظم, وأن شعره
كان صورة صافية نقية لمشاعره.
16-
أجمع كثير من النقاد المعاصرين على أن إبراهيم طوقان أكبر شاعر أنجبته فلسطين، حتى
أواخر العقد الرابع من القرن العشرين.
17-
وأخيراً؛ تعتبر رومانسية إبراهيم طوقان من النوع الإيجابي فى حياة الشعر فى
فلسطين؛ حيث أحدث هزة فى التقاليد الشعرية، وبعث فى الشعر روحاً جديدة.
المراجع
1.
إبراهيم طوقان فى
وطنياته ووجدانياته – البدوي الملثم
2.
الأعمال الشعرية
الكاملة، إبراهيم طوقان – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – ط2 – 1993م.
3.
حياة الأدب الفلسطيني
– عبد الرحمن ياغي – بيروت – 1968م.
4.
الخيال الشعري عند
العرب – أبو القاسم الشابي – الشركة القومية للنشر – اللوتس – 1961م.
5.
الذات والغرائز –
سيجموند فرويد – تعريب محمد عثمان نجاتى – القاهرة – ط3 – 1961م.
6.
الرومانتيكية – محمد
غنيمي هلال – مكتبة نهضة مصر – القاهرة – د.ت.
7.
الساخر والجسد –
المتوكل طه – دار اللوتس – عمان – ط1 – 1992م.
8.
شاعران معاصران – عمر
فروخ – المكتبة العلمية – بيروت – ط1 – 1954م.
9.
العهد القديم –
الكتاب المقدس – صموئيل الثاني – الإصحاح الحادى عشر.
10.
الكنوز – مالم يعرف
عن إبراهيم طوقان – المتوكل طه – دار الشروق – عمان – ط1 – 1999م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق